IMLebanon

الجيش يقطع الطريق على الارهابيين لتوفير «المنطقة الآمنة»؟!

العملية العسكرية التي نفذتها وحدة المجوقل في الجيش اللبناني في جرود عرسال أول من أمس كانت لافتة في توقيتها والكلام الذي احيط بها والصادر عن العماد جان قهوجي، في ظل ظروف داخلية واقليمية بالغة التعقيد والمخارج وقد يكون من المبالغة في »التفاؤل« الاعتقاد بأنه يمكن ايجاد حلول جذرية ومستدامة لأزمات المنطقة، الموزعة بين »اليمن السعيد« والعراق (بلاد ما بين النهرين) وسوريا، وتداعيات ذلك كله على الوضع في لبنان، من دون وصول أبرز محورين في المنطقة، المملكة العربية السعودية وايران، وثالثهما تركيا (وان بنسبة أقل) الى قناعة بوجوب الجلوس الى طاولة واحدة يصار خلالها الى عرض نقاط »التلاقي« و»التباعد« والعمل على ايجاد »القواسم المشتركة« تعيد الأمن والاستقرار لهذه المنطقة وتحافظ علىوحدة دولها من مخاطر السيناريوات المتداولة تحت عنوان »الفيدرالية« او »الكونفدرالية«؟!

غياب مصر، منذ اتفاقيات كمب ديفيد المشؤومة، عن دورها في العالم العربي، شرع الأبواب أمام كل متطلع لاستعادة »الامبراطوريات التاريخية« (فارسية كانت او عثمانية).. وكانت له تداعيات خطيرة..

المسألة ليست سهلة.. والمنتفعون من »الحرب بالواسطة« هم الأكثر فاعلية على المستويين الدولي والاقليمي.. ويكفي ان هذه الحروب تستهلك مئات المليارات من ثروات الدول وتهدد مصالحها ومصالح شعوبها ومستقبلها، لتكون »الدول العظمى«، صاحبة مصلحة حقيقية في اشعال الحروب، ناهيك بالمستفيد الأول »الكيان الاسرائيلي..«.

قد لا تكون نغالي اذا قلنا ان الكرة هي في ملعب ايران، أكثر كثيراً مما هي في ملاعب الآخرين.. وعودة بسيطة الى مسلسل الأحداث والتطورات منذ »انتصار الثورة الخمينية« في ثمانينات القرن الماضي، كافية للدلالة على ان ايران، التي »انتصرت لقضايا وطنية في المنطقة« لم تكن منزهة، او بريئة، من كثير من اشعال شرارات الاشكالات الداخلية نتيجة غلوها في سياسة التدخل في صلب الشؤون الداخلية للعديد من دول الجوار وتحت عناوين لم ترقَ الى مستوى الشعور بالطمأنينة وحسن الجوار؟!

المسألة باتت أكثر تعقيداً مما يظن كثيرون.. من اليمن، الى العراق، الى سوريا فلبنان.. وايران – بعد ابرام »الاتفاق النووي« مع مجموعة الخمسة زائدا واحدا، (أي الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن زائد المانيا)، ولم يحظ بقبول ورضى عديدين في المنطقة – على قناعة بأنها باتت أكثر حرية في التصرف من أي وقت سابق، وقادرة على الافادة من هذه »الفرصة« الى أبعد الحدود، وقد أنتج هذا الاتفاق الافراج عن عشرات مليارات الدولارات التي كانت محجوزة في خزائن الدول العظمى..

تحاول ايران، بما أوتيت من قدرات و»خبرات« الالتفاف على »الاتفاق الدولي« الآنف الذكر.. والمعبّر عنه باتفاق 5 + 1.. ويوماً بعد يوم، تسلل معلومات عن »صواريخ بالستية« واستئناف العمل في تخصيب اليورانيوم، والمفاعلات النووية، وراحت بعيداً في انتهاكاتها لما كان يظن بأنه »ضابط« هذه التجاوزات؟!

ليس من شك في ان لبنان، الذي يحظى – أقله الى الآن – بغطاء أمني دولي – اقليمي – عربي مقبول، يعيش مرحلة بالغة الدقة.. والافرقاء المعنيون متمسكون بخيارات لا تقدم خطوة واحدة باتجاه انجاز حلول لسائر الملفات المأزومة  والعالقة، ابتداءً من الشغور الرئاسي، مروراً بتفعيل عمل مجلسي النواب والوزراء، الذي استحوذ على نقاش واسع داخل جلسة »الحوار الوطني« أول من أمس الخميس، من دون ان يحقق خطوة ايجابية واحدة الىالامام.. والكل متمسك بخياراته والتزاماته..

الواضح، ان الافرقاء اللبنانيين، في غالبيتهم الساحقة، وعلى تنوع انتماءاتهم ومصالحهم وارتباطاتهم وتحالفاتهم الداخلية والخارجية غير متفقين على شيء.. والكل يريد ان يأتي بالآخر الى موقعه، لا رئيس للجمهورية، لا تفعيل لعمل مجلس النواب والوزراء.. والمشهد السائد في »عرض العضلات« المتبادلة، لا يوفر الطمأنينة المطلوبة لشعوب المنطقة، والأنظمة تستدرج للعبة دموية بالغة الخطورة..

لقد كانت عملية الجيش اللبناني، أول من أمس، في جرود راس بعلبك رسالة واضحة الدلالة الى كل من يعنيه الأمر، »بأن الجيش يمتلك الارادة والقرار..وقد أثبت – أكثر من أي وقت مضى، أنه من أكثر الجيوش تماسكاً وجدارة في قتال الارهابيين، وهو يمتلك زمام المبادرة..« على ما قال قائد الجيش العماد جان قهوجي الذي جزم بأنه »الجيش يمتلك المبادرةوسيضرب الارهابيين بكل قوته وبحسب توقيته، نحن لن نتركهم يأتون الينا، بل سنلاحقهم وسنضربهم أينما تواجدوا.. والجيش لن يترك كرة النار الاقليمية تتدحرج الى لبنان..«.

من اسف ان عملية الجيش هذه لم تحظ بالتغطية السياسية الوطنية الكافية، لكنها شكلت جرس انذار بالغ الدلالة والأهمية، حيث لبنان لايزال في رزنامة الارهاب الاقليمي والدولي موقعاً مؤاتياً، أقله من باب توفير »البيئة الحاضنة« وايجاد معابر بديلة عن تلك التي قد يكون تم الاتفاق على اقفالها بين ايران وتركيا..«.