IMLebanon

الجيش انتصر في عديسة وفي نهر البارد وسينتصر في عرسال لأنّ الشعب معه

إذا كان مطلوباً عدم تدخل الجيش في السياسة، فإنه مطلوب من السياسة عدم التدخل في الجيش. وإذا كان مطلوباً من الجيش تنفيذ قرار السلطة فليس مطلوباً من السلطة ان تتدخل في كيفية تنفيذ هذا القرار بحيث يصبح كل وزير “جنرالاً” بعدما أصبح كل واحد منهم رئيساً في غياب الرئيس الأصيل. فالسياسة، كما هو معلوم، ما دخلت شيئاً إلا أفسدته، فكان تدخلها من أسباب انقسام الجيش في حرب 1975. فليكفّ السياسيون إذاً عن التدخل في شؤونه كي لا يتدخل هو في شؤونهم.

إن الجيش اليوم يواجه معركة لا أخطر ولا أدق، وهي معركة الدفاع عن حدود لبنان مع سوريا، وقد أعلن العماد جان قهوجي غير مرة أن الجيش جاهز جهوزية تامة لخوضها والانتصار فيها “ولن نسمح بأي تشويش على التضحيات الهائلة التي قدمها الجيش”. فلماذا إذاً التشكيك في ذلك ولماذا المزايدات السياسية الرخيصة على حسابه وهو ليس في حاجة إلى اختبار قدرته على القتال كل مرة؟ فما دام موحداً والشعب معه فانتصاره مؤكد. ألم ينتصر الجيش في معركة مخيم نهر البارد على رغم مَنْ تدخّل محذراً من أن دخول المخيم “خط أحمر” وقدم فيها الشهداء؟ أولم ينتصر في مواجهة مع الجيش الاسرائيلي في بلدة عديسة الجنوبية ولم يكن في حاجة الى مساندة أحد سوى الشعب وقد التفّ حوله، كما التف داعماً إياه في تنفيذ كل خطة أمنية لا سيما في الشمال؟ وحيث انقسم السياسيون ومعهم الشعب عجز الجيش عن ذلك. ومعركة عرسال سينتصر فيها لأن الشعب معه، وليبق السياسيون على خلافاتهم حولها لأنها معركة دفاع عن حدود لبنان وهو وحده المسؤول عنها، وليست معركة دفاع عن حدود دولة أخرى لا شأن له فيها. وهو الذي يضع خطوطاً حمراً حيث يشاء وليس حيث يشاء سواه بدوافع سياسية أو مصلحية.

لقد تدخلت السياسة في الماضي فمنعت انتشار الجيش في الجنوب الى جانب القوات الدولية ليصبح أمن المنطقة من مسؤوليته ومسؤولية هذه القوات من دون مشاركة اي مجموعة مسلحة من خارج الدولة. لكن سوريا تدخلت يومئذ وكسرت قرار السلطة اللبنانية الذي دعا الى هذا الانتشار بحجة واهية وبالتظاهر بالخوف على الجيش، اذ يصبح بين نارين: نار اسرائيل ونار المقاومة. وكانت سوريا تقصد في موقفها هذا ان تبقي المقاومة حرة في تحركها ولا تصطدم مع الجيش، وليبقى الجنوب بالتالي ساحة كر وفر مع اسرائيل… واليوم يبدي “حزب الله” خوفه على الجيش من تنظيم “داعش” و”جبهة النصرة” ويخوّف اللبنانيين بهما مبديا استعداده لدخول معركة الدفاع عن عرسال الى جانب الجيش، وهو دخول قد يثير الحساسيات السياسية والمذهبية كما هو حاصل في العراق مع تدخل ما يسمى “الحشد الشعبي” في المعارك الى جانب الجيش العراقي فيعطي تدخله بعداً مذهبياً يفيد منه تنظيم “داعش” بلعبه على عواطف السنّة.

إن مجلس الوزراء يجتمع اليوم للبحث في معركة الدفاع عن عرسال إذا ما اعتدى عليها تنظيم “داعش” و”جبهة النصرة”، فعليه الاستماع الى رأي قيادة الجيش في هذه المعركة لمعرفة ما اذا كان قادرا وحده على خوضها والانتصار فيها، ام انه في حاجة الى مقاتلي “حزب الله”. فإذا لم يكن في حاجة اليهم ليستمروا في معاركهم في القلمون السورية، فإن الجيش وحده يتحمل المسؤولية من دون مزايدات ولا تشكيك وتكبير التخويف من “داعش” و”النصرة” لتوظيف ذلك سياسيا وايقاد النار المذهبية. اما اذا كان في حاجة الى مقاتلي “حزب الله” والى سواهم لمساندته في المعركة، فإن لقيادة الجيش وحدها ان تقرر ذلك في الزمان والمكان لا ان يقرر سواها ذلك ويضعه امام تداعيات قرار لم يكن قرار القيادة.

ولا بد في هذا الصدد من العودة الى موضوع “الاستراتيجية الدفاعية” الذي حال الخلاف حوله في اجتماعات هيئة الحوار الوطني في قصر بعبدا دون بته، للافادة من سلاح “حزب الله” في مواجهة اي عدوان يقع على لبنان ولا سيما من اسرائيل شرط ان يوضع هذا السلاح في كنف الدولة وتكون الأمرة لقيادة الجيش ضبطاً له ولمنع استخدامه في غير زمانه ومكانه. فعلى مجلس الوزراء اليوم ان يعطي ما للجيش للجيش…