IMLebanon

«الجيش والوحدة والتوافق».. «ثلاثية» الانتصار الحقيقي

ضمن خط تصاعدي مستمر، يواصل الجيش سير تحضيراته العسكرية واللوجستية في جرود رأس بعلبك والقاع تحسباً لساعة قد يُتخذ فيها القرار بإنهاء الحالة الشاذة في الجرود الممثلة بوجود عناصر ونقاط تمركز لتنظيم «داعش» الإرهابي منذ نحو أربع سنوات. ويستفيد الجيش من الدعم المتنوّع الذي يتلقاه في عملية تحضيراته هذه على المستويات كافة، سواء السياسية أو العسكرية، وحتى الدعم المعنوي الذي يُعبر عنه الشعب اللبناني ودعوته المؤسسة العسكرية إلى حسم الأمر في الجرود واستئصال أوكار الإرهاب، والملاحظ أن هذا الدعم الشعبي، يترافق مع استعدادات من كافة المناطق، تدعو للوقوف صفّاً واحداً مع الجيش في أرض المعركة.

الإستعدادات قائمة على قدم وساق. تقدم ملحوظ للوحدات في العديد من المواقع وعلى عدد من التلال، كان آخرها يوم الأحد الفائت، حيث انتشرت وحدات الجيش على تلال ضليل الأقرع في جرود رأس بعلبك الفاكهة، وهي من أهم التلال المُشرفة على مواقع «داعش»، وعلى تلّتي دوار النجاصة وقلعة الزنار من ناحية جرود منطقة عرسال. وقد جاء هذا التحرك، إستكمالاً لانتشار هذه الوحدات في إحكام الطوق على المجموعات الإرهابية التابعة لداعش، في وقت كانت وما زالت تواصل فيه، مدفعية الجيش استهداف مراكز «التنظيم» في الجرود وتقوم بتدمير العديد من التحصينات، وتوقع إصابات مؤكّدة في صفوف الإرهابيين.

في بلدات البقاع الشمالي، تُسمع أصوات القصف بالمدفعية الثقيلة التي يستهدف من خلالها الجيش مراكز ونقاط «داعش»، وكأنها «قيثارة» تُعزف على أوتارها ألحان النصر المُحقق. جميع الأنظار والقلوب تتجه صوب الجرود، فهناك رجال تعانق جباههم الشمس في النهار، وتصد عيونهم رياح ليل يحمل بين أجنحته بشائر نصر معقود على سواعد تحمل السلام بيد، وفي اليد الأخرى رصاصاً هو عقاب لكل من تسوّل له نفسه، الاعتداء على حبّة من تراب وطن، بدأ يستعيد عافيته على يد ثلاثية عنوانها العريض: «التوافق السياسي، الجيش ووحدة الشعب». ومن هذه الجهوزية الكاملة المبنيّة بشكل أساسي على مواجهة وصد أي محاولة لإختراق مساحات الأمن التي فرضتها ألوية الجيش المُنتشرة في الجرود، يُمكن التأكيد أن كل ما يُحكى عن إنجازات وإنتصارات في مواجهة المُسلحين هناك حصلت أو يُمكن أن تحصل لاحقاً، يعود الفضل فيها إلى الجيش الذي صمد وخاض المعارك الضروس طيلة الفترة الماضية والتي خسر خلالها خيرة من ضبّاطه وعناصره.

في كل يوم، يُطالعنا البعض باقتراحات ودعوات إلى ضرورة التنسيق بين الجيش اللبناني وجيش النظام السوري، وهي دعوات تصل في بعض جوانبها إلى إملاءات لكن مع محاولة من هؤلاء، لتلميع أو تجميل المصطلحات التي يستخدمونها. ما هو اكيد في هذا السياق، أن الجيش يتكل على نفسه في أي معركة يخوضها وهو قادر على الحاق الهزيمة بتنظيم «داعش»، في جرود القاع ورأس بعلبك متى تم تحديد ساعة الصفر. من دون نسيان قوّة ودقّة مدفعية الجيش التي تُشكّل شبكة امان وضمان لسلامة الأراضي اللبنانية ولمنطقة الحدود الشرقية بشكل خاص. أمّا المؤكد، فهو أن ما يُحكى عن إمكانية توجيه جيش النظام ضربات لهؤلاء المسلحين في حال فرارهم باتجاه الاراضي السوري، فهذا أمر لا شأن للبنان فيه خصوصاً وأن النظام في حال قيامه بفعل كهذا، فهو يقوم بواجباته تجاه نفسه ومُنّته فيه على نفسه لا على لبنان ولا على جيشه.

الأهم، أنه ضمن عقيدته الثابتة والراسخة، تُعتبر مسألة تنظيف الجرود من الإرهابيين بالنسبة إلى الجيش، مسألة لبنانية بحتة لا تخضع لا إلى ظروف ولا إلى تسويات ولا حتّى إملاءات خارجية. لذا فإن دعمه السياسي والعسكري الخارجي، يعود فقط الى نجاحه في تثبيت الأمن على الحدود بعدما ظلّت لفترة طويلة مُستباحة من قبل الإرهابيين و»فالتة» أمام الإنتحاريين وسياراتهم المُفخّخة. والأهم أن الجيش ومن خلال العمليات النوعية التي يُنفذها، أثبت أن رسم خريطة الجرود اللبنانية وهندستها بالشكل الذي يجعلها مكاناً خالياً من الجماعات الإرهابية، هي مهام حصرية تُنفّذ داخل الغرف العسكرية. وفي هذا السياق، تؤكد مصادر عسكرية لـ «المستقبل» أن أبرز المقومات التي يبني عليها الجيش صموده وتعزيز قوته وحضوره، هو الدعم السياسي الذي وفّره له العهد الجديد رئاسةً وحكومة، ومن خلال الثقة التي أُعطيت له منذ بداية هذا العهد حتى اليوم. من دون إغفال الدعم والثقة اللذين توليهما العديد من الدول للمؤسسة العسكرية وهما مستمران ويُترجمان دعماً وتسليحاً غير مشروطين. وأيضاً، من دون اغفال، الدعم والتأييد الشعبي الذي يحظى به الجيش اليوم، ومطالبته بإنهاء وجود «داعش».

الإستعدادات على الأرض قائمة ولكن القرار بالمعركة يعود لقيادة الجيش وقادة الوحدات العسكرية الموجودة على الأرض في المنطقة. قيادة الجيش تقوم بتقدير الموقف على الأرض وتقيّم وتدرس كل المعطيات الميدانية. وفي ضوء ذلك، يتم تحديد مقوّمات نجاح العملية العسكرية ومستواها، وبعد الخبرة التي اكتسبها الجيش في نهر البارد وصيدا وطرابلس وعرسال أو عرسال 2 وغيرها من العمليات في السنوات الماضية، فهو لن يقدم على أي عملية لا تتوافر فيها مقوّمات النجاح وغير مضمونة. ومن هنا، ثمة اجماع سياسي وشعبي كامل لكل خطوة سوف يُقدم عليها الجيش لمواجهة «داعش»، في معركة لن تكون سهلة على الإطلاق إذ أن هناك حوالي خمسمائة إرهابي وربما أكثر، ينتشرون على مساحة 400 كلم2، وستكون فيها طائرات الـ» سيسنا»، السلاح الأمضى والأفعل، لاستهداف عناصر «داعش» بدقة متناهية، وملاحقة فلولهم.

من الطبيعي القول، إن أي قراءة في مشهدية أي معركة حسم يُمكن أن يُنفذها الجيش قريباً ضد الجماعات الإرهابية، من الطبيعي أن يكون توقيتها مرتبطا أيضاً بالظروف السياسية والمفاوضات التي تسير على أكثر من خط. لكن المعركة بحد ذاتها في حال انطلاقها، فسوف يُكتب فيها النصر المؤكد للجيش، ومع هذا فقد آثر أن يمنح وقتاً إضافيّاً لأي عملية تفاوض يُمكن أن تحقن دماء أبناء المؤسّسة العسكرية وتجنيب المدنيين أي استهداف. وفي هذا السياق، تكشف المعلومات أن المفاوضات القائمة لتسليم عناصر «داعش» أنفسهم أو انسحابهم باتجاه عمق الأراضي السورية، هي خجولة جداً كونها ليست مباشرة ويغيب فيها وجود نيّة حقيقية لدى الإرهابيين بالتفاوض ولا حتّى بتقديم معلومات ولو بسيطة، حول مصير العسكريين المخطوفين لديهم. والجيش سوف يسعى بكل الطرق والوسائل، إلى عدم إطالة عمر هذه المعركة أكثر مما هو متوقع.