إنجازات الجيش في حربه التي يخوضها في الجرود ضد الجماعات الإرهابية، باتت لا تُعد ولا تُحصى بعدما تحوّلت إلى أمر شبه اعتيادي، إذ لا يمر يوم إلا وتُنقل فيه أخبار من الجرود عن عمليات نوعية وأمنية سواء ضد مجموعات أو أفراد من بينهم قادة ومسؤولون كبار ينتمون إلى هذه الجماعات. وأخر العمليات التي سجلها الجيش، جاءت أول من أمس من خلال استهداف طوافاته مواقع تابعة للتنظيمات الإرهابية المتواجدة في الجرود وتحديداً بين منطقتي عرسال ورأس بعلبك. وتزامن هذا الإستهداف، مع قصف مدفعي للجيش لتحركات ليلية حاولت خلالها عناصر إرهابية، التسلل في جرود رأس بعلبك والقاع.
منذ بداية العهد الجديد رئاسة وحكومة، آل على نفسه تعزيز قدرة المؤسسة العسكرية ودعمها سياسيّاً وتسليحاً وفتح المجال أمام التعاون العسكري بينها وبين أي دولة ترى في لبنان بلداً مُعرّضاً لمخاطر وإعتداءات إرهابية، ومُهدداً في حدوده من وجود الجماعات الإرهابية. وقد فكّكت الحكومة مُجتمعة، كل العراقيل التي كانت توضع في وجه الجيش خلال الحكومات السابقة، وتعوق عمله وتمنعه من القيام بواجبه كما هو الحال اليوم. الدعم المتنوّع الذي تلقته المؤسسة العسكرية خلال العهد الجديد والذي أكده رئيس الحكومة سعد الحريري خلال زيارته الأخيرة لجنوب الليطاني، وخصّ فيها مقر قوّات «اليونيفيل» في الناقورة، ثبّت عماده أول من أمس، رئيس الجمهورية العماد ميشال عون بعد زيارة لقائد الجيش العماد جوزيف عون في مبنى القيادة في اليرزة. واللافت في هذه الخطوة، كانت زيارة غرفة عمليات القيادة حيث تابع من داخلها بوجود وزير الدفاع وقائد الجيش، العملية التي نفذها سلاح الجو في الجيش ضد مواقع الإرهاب في الجرود.
تستعين الجيوش في العالم كله، بمعاهد ودراسات وبحوث استراتيجية وبخبرات ضباط وعسكريين سابقين، بهدف قراءة نيات الأعداء وخياراتهم من أجل استباق أي رد فعل مُعاد غير محسوب أو هجوم مُباغت غير مُحتسب وخصوصاً إذ كان هذا العدو، يستخدم نهج العصابات في حروبه، وهذا هو واقع الحال في الجرود حيث يواجه الجيش هذه الحالة الشاذة عند حدوده منذ سنوات وما زالت تُمثل الخطر نفسه لغاية اليوم. لكن السؤال هو، هل يكتفي الجيش بمراقبة هذا العدو ومحاولة منعه بالوسائل المتاحة من النفاذ إلى مناطق حدودية لبنانية مُحددة وجعلها مستقراً له؟. من المؤكد أن الجيش الذي يُسطّر يوميّاً بطولات في مواجهة المد الإرهابي في الجرود على خط طول يزيد على عشرة كيلومترات، هو اليوم مُستعد لكل الإحتمالات التي يُمكن أن تطرأ في أي لحظة بما فيها قيامه بخطوة يُمكن أن تُنهي أي وجود للارهابيين على حدوده.
ويُمكن قراءة هذا الواقع، من خلال التنسيق والدعم السياسي اللامُتناهي، وأيضاً من خلال عمليات التنسيق بين وحدات الجيش وكيفية إنتشارها على الأراضي كافة وتحديداً البقاعية، بالإضافة إلى شبكة نيران مدفعيّة تكوّنت في الفترة الأخيرة في الجرود من شأنها أن تصعّب على المسلحين حركتهم أو التعامل معها أو حتّى اختراق مداها ودقتها. ويُضاف إلى هذه العوامل، أمر في غاية الأهمية، هو قدرة الجيش على تعزيز صموده ضمن المناطق المتواجد فيها وتسهيله عمليات إستقدام تعزيزات عسكريّة بسرعة فائقة تُمكّنه من التحوّل من موقع الدفاع إلى موقع الهجوم في فترة قياسيّة، وهذا خيار قد يعتمده في أي وقت وبحسب ما تتطلّب الحاجة. وتضاف إلى هذه القدرات، قوّة مميّزة على اختراق مواقع الإرهابيين واصطيادهم، وآخرها العملية النوعية في منطقة وادي الحصن في عرسال، والتي أدت إلى مقتل ما يسمّى الأمير الشرعي لتنظيم «داعش» الملقّب بـ«المليص»، أحد أبرز الإرهابيين الذين أفتوا بإعدام عسكريين لبنانيين.
المؤكد أن ثمة قرارا داخل قيادة الجيش يقضي بالتعامل بحزم وحسم مع الحالة الإرهابية في الجرود اللبنانية كافة وخصوصاً عرسال التي يعتبرها هؤلاء بمنزلة رهينة بين أيديهم على الرغم من قرار أهلها غير الخاضع للشك ولا حتى للتأويل في ما خص دعمهم اللامتناهي للشرعية ولمؤسسة الجيش على وجه الخصوص. ولذلك تُعتبر مسألة تنظيف الجرود من الإرهابيين بالنسبة إلى الجيش، مسألة لبنانية بحت لا تخضع لا إلى ظروف ولا إلى تسويات أو إملاءات خارجية. لذا فان دعمه السياسي والعسكري الخارجي، يعود فقط الى نجاحه في تثبيت الأمن على الحدود بعدما ظلّت لفترة طويلة مُستباحة من قبل الإرهابيين و«فالتة» أمام الإنتحاريين وسياراتهم المُفخّخة. والأهم أن الجيش ومن خلال العمليات النوعية التي يُنفذها، عاد ليرسم خطوط سير المعارك التي يخوضها في الجرود، وليقول للأقربين والأبعدين، إن الممرّات التي كانت تُعتبر في ما مضى «آمنة»، ما عادت كذلك اليوم، وإن محاولات التسلل إلى داخل الوطن ذهبت إلى غير رجعة بعدما أصبحت قصصاً من نسج الخيال، وبالتالي لم يعد تطبيقها مُمكناً على أرض يطوقها الجيش بنيران مدفعيته وثبات عناصره.