من الذي كان يكمن للآخر؟
على مدار الأيام القليلة الماضية كان هذا التساؤل هو محور المناقشات في الدوائر السياسية في طهران. الإجابة، بحسب رواية روجتها بطانة الرئيس الإيراني حسن روحاني، هي أن الرئيس الأميركي باراك أوباما ووزير خارجيته جون كيري كانا كامنين في أروقة الأمم المتحدة بنيويورك انتظارًا لوصول وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف. وعندما ظهر الأخير هرع المسؤولان الأميركيان إليه وأجبراه على مصافحتهما. وبعد لحظات، سرب الأميركيون القصة، مما أثار امتعاض الإيرانيين الكتومين.
وتفيد رواية أخرى روجها اللوبي الإيراني في واشنطن بأن الجانبين كانا قد خططا لـ«مقابلة غير مرتبة» بين أوباما وروحاني قبل عدة أشهر، لكنها لم تتم نظرًا لاعتراض «المرشد الأعلى» علي خامنئي. بيد أنه في نهاية المطاف وافق خامنئي على أن يقوم ظريف بالمقابلة غير المرتبة إظهارًا للامتنان على الجهود الحثيثة التي يبذلها أوباما لدفع المصالح الإيرانية في واشنطن.
مما لا شك فيه أن الجانبين أرادا من المقابلة «غير المرتبة» أن تظهر حالة الود في ما بينهما.
أوباما متلهف لكي يؤكد قصته الخيالية عن ترويض إيران الثورية وأنه، كما زعم مؤخرًا، جعل «العالم مكانًا أكثر أمنًا». وفي حال انكشف زيف «الاتفاق النووي» الإيراني، والذي هو بالتأكيد كذلك، سيبدو أوباما مثل الساحر المدعي في رواية «ساحر أوز»، الذي إن لم يكن رجلاً شريرًا، فهو على الأقل ساحر غير كفء.
من جهته، يتعين على روحاني إنقاذ ما يمكن إنقاذه من «الاتفاق النووي» الذي لطالما قدمه بوصفه الخطوة الجوهرية باتجاه تطبيع العلاقات مع «العالم الخارجي»، والذي يفهم كل إيراني أنه الولايات المتحدة الأميركية. وكان الرئيس الإيراني قد وصف «الاتفاق» بأنه «أعظم نصر دبلوماسي في التاريخ الإسلامي».
ولطالما دفع روحاني بأن الراحل آية الله الخميني كان مخطئًا في مساعدته على تدمير رئاسة جيمي كارتر.
لقد كان كارتر متعاطفًا مع الملالي منذ البداية، ولمح إلى استعداده للتعاون معهم عبر إيفاد مستشاره لشؤون الأمن القومي زبيغنيو بريجنسكي للقاء رئيس الوزراء الإيراني آنذاك مهدي بازركان مع وعود بتقديم مساعدات وأسلحة.
والآن، ربما بفضل الإمام الخفي أنتجت الولايات المتحدة كارتر آخر في شخص باراك أوباما، مانحة الملالي فرصة العمر لتحقيق طموحاتهم دون مراجعة أي من القوى الكبرى.
ويأمل روحاني، بدعم من أوباما، في تنشيط الاقتصاد الإيراني المتداعي، وتثبيت أقدام فصيل رفسنجاني على صعيد الجبهة الداخلية، وربما اقتناص الأغلبية في البرلمان ومجلس الخبراء عبر الانتخابات المقرر إجراؤها الربيع المقبل.
ويلخص صادق زيبا كلام، أحد مستشاري روحاني، طرح الرئيس الإيراني قائلا: «لحسن الحظ، لا يعتقد السيد روحاني أن الحضارة الغربية في سبيلها إلى الانحدار والسقوط. ولا يريد تصدير الثورة، ولا يؤمن بأن مستقبل البشرية متوقف على الحضارة الإيرانية أو الإسلامية. ولا يعتبر إنكار الهولوكوست مهمة تاريخية للجمهورية الإسلامية الإيرانية. ولا يلوح بغصن الزيتون لأميركا فحسب، لكنه ومنذ انتخابه قبل عامين لم يدع ولو مرة واحدة إلى تدمير إسرائيل».
تعليق زيبا كلام على نهج روحاني إزاء «مسألة إسرائيل» يأتي في أعقاب تقارير تحدثت عن لقاء جمع وزيرًا سابقًا خدم في حكومتي الرئيسين الإيرانيين السابقين هامشي رفسنجاني ومحمد خاتمي بمندوبين إسرائيليين اثنين في قبرص من أجل إجراء «محادثات استكشافية». المشكلة تكمن في أن علاقات المودة مع الولايات المتحدة ربما تقود روحاني وفصيله، بقيادة رفسنجاني، إلى عالم خيالي تغذيه الغطرسة. والمؤشرات على ذلك حاضرة بالفعل.
في الآونة الأخيرة، أدلى كل من روحاني وظريف بتصريحات استعلائية عن بلدان أخرى عديدة، بعدما انتفخت ذواتهما مؤخرًا جراء الاعتقاد بأن الولايات المتحدة باتت في صفهما. ويزعم روحاني أن الدعم العسكري الإيراني أنقذ العراق من براثن «داعش». ويقول الرئيس الإيراني: «لو لم تكن قواتنا المسلحة هناك، لكان (داعش) في بغداد بالفعل الآن.. نحن من أنقذنا سامراء وبغداد وأبعدنا (داعش) عن كربلاء».
وبغض النظر عن حقيقة أن «داعش» لم يكن يومًا قريبًا من كربلاء، وأن إيران لم تكن لها أي علاقة بالدفاع عن بغداد أو سامراء، يتناسى روحاني أن العراق الذي يسكنه 30 مليون نسمة ربما يستاء من التعرض للإهانة من جانب ملا أجنبي.
ويسخر روحاني من العراق الذي «كان يعتبر يومًا أقوى دولة عربية»، ويقول: «انظر إليه الآن، انظر إلى هذا البلد البائس». كما يدعي روحاني أن القوات الإيرانية أنقذت سوريا. ويتناسى أن سوريا أبعد ما تكون عن الإنقاذ. في الواقع لقد أسهم الدعم الإيراني لبشار الأسد في تمزيق هذا البلد. بل إن روحاني المفعم بالغرور والغطرسة تحت وهم الدعم الأميركي فإن تسييسه لمأساة الحج ربما كان مدفوعًا برغبة في تعويض اعتماده المتزايد على واشنطن، ولكي يبدو أكثر «ثورية» من خامنئي. على أي حال، كان ذلك خطأ منه وأثار غضب القيادة الشيعية في النجف.
وحتى تركيا لم تسلم من الغطرسة الإيرانية. لقد أغلقت حكومة روحاني حدودها مع تركيا ونصحت مواطنيها بعدم السفر إلى هناك بدعوى «العنف وعدم الاستقرار». كما تباهى روحاني خلال لقاء جمعه بالرئيس النمساوي هاينز فيشر بأن «إيران هي جزيرة الاستقرار في المنطقة».
لكن روحاني ليس وحده الذي ضربته العنجهية. ويزعم مستشاره آية الله علي يونسي أنه لأول مرة منذ الفتح العربي «تعود بغداد إلى فلك إيران».
كما يؤكد وزير الخارجية الأسبق علي أكبر ولاياتي أن طهران «لن تسمح تحت أي ظروف بسقوط بشار الأسد»، كما لو أن الرئيس السوري موظف لدى الجمهورية الإسلامية. ويزعم ولاياتي أيضًا أن الرئيس المصري الأسبق محمد مرسي سقط لأنه «لم يصغ إلى مرشدنا الأعلى» الذي نصح جماعة الإخوان المسلمين بـ«تطهير الجيش المصري وإنشاء قوة جديدة على غرار الحرس الثوري الإسلامي».
ويتمادى رفسنجاني في الغطرسة زاعمًا أن «الذين يحكمون العراق الآن هم رجالنا». ويذكر تحديدًا الرئيس العراقي السابق جلال طالباني واصفًا إياه بأنه «شخص لطالما كان يعمل لصالحنا».
ويتلاعب آية الله جوادي آملي بالكلمات ليسخر من العراق، حيث قال ضاحكًا: «العراق أصبح (أوراق)»، والتي تعني باللغة الفارسية «محطمًا».
ويصف ظريف باكستان بأنها «هامشية رغم ترسانتها النووية».
كما يتهكم حزب الغطرسة على الدبلوماسيين ورجال الأعمال القادمين إلى طهران من أوروبا ومناطق أخرى من العالم ويصفهم بأنهم «متوسلون» جاءوا لكي يعربوا عن إجلالهم لإيران الإسلامية.
هذه الصورة تذكر الإيرانيين بالنقوش الحجرية في مدينة برسبوليس الأثرية، والتي تصور مبعوثي الدول الخاضعة وهم يتقدمون لتقبيل قدم ملك الملوك الفارسي. الحقيقة أن الأوروبيين وغيرهم يأتون لإبرام عقود مع الحكومة الإيرانية في حال استعادت طهران سيطرتها على عائداتها النفطية، وهو أمر غير مؤكد بالمرة.
ويحاول روحاني، لأسباب يصعب تفهمها، أن يقدم نفسه بوصفه سياسيًا «معتدلاً». ولكي تتطابق صورته مع هذا الزعم لا بد أن يبدأ أولاً بتخفيف لغته ولغة مساعديه.
إن الغطرسة خطيئة والكبرياء مقدمة للسقوط.