في الجملة نفسها التي أعلن بواسطتها، قائد «الحرس الثوري» الإيراني الجنرال محمد علي جعفري عن سماح «المرشد» علي خامنئي بإرسال «مجموعات محددة» من الشباب الايراني الى العراق وسوريا ولبنان «للقتال الى جانب الحلفاء»، إصرار على بعث رسالة طمأنة الى إسرائيل.. وعلى الإمعان في الفجاجة والشطط سواء بسواء!
يقول الجنرال جعفري ان عملية شبعا كانت «رداً بالحد الأدنى من العنف، ونأمل أن يكونوا (الإسرائيليون) قد تعلموا الدرس وألاّ يكرروا مثل هذه الأخطاء في المستقبل».. أي أن قائد «الحرس الثوري» يقول مسبقاً وعلناً، ان المجموعات الإيرانية الذاهبة الى الدول الثلاث ليست مهتمّة سوى بالشق الداخلي.. أي بالعنوان الأول والمركزي والوحيد للسياسة الإيرانية في المنطقة التي تحمل شعاراً وتنفّذ عكسه: تدّعي أبوّة مشروع مقاومة إسرائيل ولا تفعل سوى مقاتلة كل الناس إلاّ إسرائيل!
وكي لا يتخلخل ميزان الحساب عند أحد، في واشنطن أو تل أبيب، كان لا بد لكلام الجنرال جعفري من أن يكون واضحاً بل شديد الوضوح: مهمة تلك المجموعات هي خارج نطاق الاعلان المجلجل عن كسر قواعد الاشتباك مع إسرائيل، بل هي معنية أولاً وأساساً بالانخراط في القتال العراقي، أو بالأحرى في الاعلان الصريح عن ذلك الانخراط بعد طول تمويه وبعد دخول «داعش» على الخط.. ومعنية ثانياً بمواصلة القتال لإبقاء بشار الأسد واقفاً حيث هو.
وذلك يستدرج سؤالين. الأول: لماذا الإعلان الآن عن ذلك التدخل طالما ان كل من عليها يعرف ان الايرانيين موجودون، بالفعل ومنذ سنوات، على الأرض في العراق وسوريا، وبصيغ عدّة يختصرها مصطلح «المستشارين» العسكريين والأمنيين؟
الثاني: كيف يُدخل جعفري لبنان ضمن الثنائية المتفجرة العراقية السورية، ويفترض ان الوضع عندنا هو ذاته في ذينك البلدين المنكوبين، وان حدود لبنان سائبة وفلتانة، وان اللبنانيين «مقطوع حَيْلهم» على الآخر ولا ينتظرون سوى المدَد الإيراني كي ينقذهم؟؟
في واقع الحال، بلغ الشطط الايراني مبلغاً لم يعد أصحابه يتوقفون معه، عند شكليات الأمور ولا عند مضمونها. لا عند العلاقات بين الدول، ولا عند الأطر الديبلوماسية المعتمدة، ولا عند إبداء أي احترام للكيانات السياسية الرسمية، ولا عند حدودها الجغرافية الدولية، ولا عند مراعاة أقوامها.. بل أخذتهم وتأخذهم دوخة اللحظة الى الكشف «البطران» والمضاعف عن جموحهم الاستحواذي، والى النفخ في أدوار تظهرهم كأنهم أصحاب قرار حاسم لا تملك مثله إلاّ الدول العظمى!
فاتت الجنرال الإيراني حقيقة لا تُجادل: أدوار إيران صارت مرادفة للفتنة التامة في دنيا العرب والمسلمين.. أما في لبنان، فيبقى أن تذكّره حكومة «الوحدة الوطنية» أو وزارة الخارجية، ان الدولة قائمة والحدود موجودة! وإذا كان يظن العكس، فليوضح ذلك وخصوصاً في محفل الحوار الآيل الى «تخفيف الاحتقان المذهبي»؟!