حربٌ إعلامية تفاوضية أكثر منها حرب عسكرية تعيشها جرود بلدة عرسال منذ أسبوع بعد حرب التحرير التي أطلقها «حزب الله» في القلمون، وبعد عودة خجولة للنازحين السوريين من البلدة إلى عسال الورد ورأس المعرة السوريتين، أتت نتيجة مفاوضات مع الجيش السوري و»حزب الله»، وجاءت كـ»بروفا» تمهيدية لشَق طريق المفاوضات مع المسلحين في الجرود وإخلائها.
تعيش بلدة عرسال حالاً من الترقّب والحذر وسط تخوّف من المرحلة المقبلة والعودة إلى معركة آب في 2014 بعد الحديث عن معركة الحسم التي يقودها «حزب الله» والجيش السوري، فيما يستعد الجيش اللبناني لحماية الحدود ومنع أي محاولة تسلّل إلى الداخل.
حربٌ إعلامية نفسية أكثر ممّا هي عسكرية طَغت خلال الأيام الماضية، وكانت ضمن عملية «عَض الأصابع» والرهان على الخوف والخضوع للشروط، لكنّ المفاوضات تجري وسط شروط جديدة يومياً تعيدها أحياناً إلى نقطة الصفر.
إنقطع أهالي عرسال عن أراضيهم وأرزاقهم منذ أيام وأقفلت المعابر باتجاه الجرود إلّا أمام المفاوضين، وكانت عمليات الأخذ والرد طوال الفترة الماضية بين رفض الشروط المطروحة وطرح شروط جديدة، والإنذار ببدء العملية العسكرية عبر قصف الطيران الحربي السوري لمعاقل المسلحين في الجرود، وسط انتشار فرَق النخبة والمقاتلين من «حزب الله» في الجرود وتنفيذه ضربات صاروخية.
مفاوضات المرحلة الماضية تعثّرت لجملة أسباب، أهمها عدم الثقة بسلوك الطريق البري إلى إدلب ودير الزور، حيث لا ضمانة بعدم التعرّض لأبو مالك التلي ومقاتليه أثناء عبورهم.
فكان الطلب بسلوك البر أو البحر، كذلك عدم تعرّض الجيش السوري للمدنيين والمقاتلين لا سيما أنّ دفعتي النازحين السوريين إلى بلدتي عسال الورد ورأس المعرة السوريتين لم تكن مشجعة، بحيث طُلب من العائدين الإلتحاق بالخدمة العسكرية على رغم الاتفاق على هذه النقطة ضمن سلّة مفاوضات العودة.
معالم ومصير الجرود في الساعات المقبلة لا تزال غامضة بانتظار المفاوضات الدائرة بحسب مصادر متابعة، حيث أشارت لـ«الجمهورية» أنّ باب المفاوضات لم يقفل بعد لكنّ المؤشرات تتجه نحو الحسم لا سيما أنّ «حزب الله» والفرَق العكسرية باتت جاهزة منذ مدة ومنتشرة في أماكنها بانتظار ساعة الصفر التي كان من المفترض أن تبدأ منتصف ليل أمس، لكنّ الإتصالات الجارية تُفسح في المجال لمزيد من الوقت لا سيما بعد دخول التركي والقطري على خط المفاوضات، بالإضافة إلى الشيخ مصطفى الحجيري «أبو طاقية» الذي تواصَل مع المعنيين لجهة تنظيف ملفه أمنياً وقضائياً مقابل المساعدة في المفاوضات، وهو ما أعطاه دفعاً في سبيل الضغط لإتمام العملية من دون حل عسكري، علماً أنه كان قد توجّه يوم الأربعاء الفائت إلى الجرود مع وفد مفاوضين سوريين للقاء أبو مالك التلي.
وأشار المصدر الى أنّ «سرايا أهل الشام قد أخلَت مواقعها الروتينية في جرود عرسال، وخرجت منها استعداداً للمواجهة حيث انتشَرت في مراكزها الأساسية وخطوط الدفاع، في حين أنّ «حزب الله» يطوّق المنطقة بأكملها»، وأشار الى أنّ «المسلحين ينتشرون على مسافة تمتد أكثر من 320 كيلومتراً بين الأراضي اللبنانية والسورية من عرسال حتى القاع ورأس بعلبك، ومن قارة والجراجير وفليطا للجهة السورية، وهي تتمركز الآن في تلّة الكسارات والأنزح ووادي الخيل وخربة يونين، في حين تتمركز «داعش» في جرود رأس بعلبك والقاع».
وقال المصدر: إنّ «عملية الحسم سواء كانت بالمفاوضات أو بالحل العسكري ستكون على مراحل، فالمفاوضات الجارية الآن مع «سرايا أهل الشام» وعند الإنتهاء منها والتوصّل الى حل، ستفتح الباب أمام مفاوضات جديدة أو حل عسكري مع جهات أخرى بحسب التغيّرات الزمنية، لا سيما أنّ «داعش» لا يزال في الجرود وقضية العكسريين المخطوفين لا تزال عالقة».
من جهته، أشار رئيس بلدية عرسال باسل الحجيري لـ«الجمهورية» الى أنه «لا جديد بعد في قضية الجرود والغالِب حتى الآن هو مسار التفاوض والإنسحاب»، وعن عرسال، قال إنها «تعيش حالة من الضغط النفسي وسط ترقّب وحذر، فيما أصبح الوضع الإقتصادي ضاغطاً لا سيما أنّ ابن عرسال تأثّر إقتصادياً، فالمقالع والكسارات تَعطّلت، وهذا ما يستدعي الإسراع بالحل سواءً كان عبر المفاوضات أو الحل العسكري، لأنّ وضع عرسال لم يعد يُحتمل.
وأضاف أنه لا خوف من المخيمات اليوم لا سيما أنّ اللجان فيها إتّفَقت على رَفع العلم اللبناني على كامل المخيمات حيث بدأت البلدية اليوم بتجهيز الأعلام لها، كذلك تمّ الإتفاق على أن يُسلّم أي مُخلّ بالأمن أو من يحاول التعدي على الجيش إلى السلطات الأمنية، فاليوم الوضع مختلف عن أحداث 2014 لجهة الحضور العسكري ورؤية الناس ومَزاجهم بجانب الجيش أيضاً، فالناس تريد حلاً».
ساعات مفصلية تنتظرها بلدة عرسال ليعود الأمن والأمان إليها، وليعود الناس إلى أراضيهم ومقالعهم، وليبقى الجيش حامي الحدود وصاحب المبادرة ويقتلع الإرهاب من جذوره بعد معاناة اللبنانيين منذ بدء الأزمة السورية.