عرسال بين نارَي «حزب الله» و»داعش»، أسيرة التهديدات ورهينة خيارات الخارج وقراراته، تتابع حياتها بقلق على وقع معارك القلمون السوري وصراع النفوذ الاقليمي وحروب التقسيم المذهبي والطائفي في المنطقة، أهلها يأملون تجنّب مصيبة خطط «حزب الله» العسكرية من أجل تسجيل انتصار يصعب تحقيقه، منذ تدخّله في العام 2012 لإنقاذ نظام بشار الأسد في سوريا الذي يعد أيامه الأخيرة.
لا يمتلك أهالي عرسال السلاح للدفاع عن أنفسهم وليس لديهم أحزاب مسلحة تدافع عنهم في حال تعرضوا لاعتداء، أو نجحت خطة الحزب في استجلاب المسلحين السوريين «داعشيين» أو غيرهم الى داخل البلدة، كما حصل في آب الماضي، وهم أكدوا وما زالوا يؤكدون أن انتماءهم هو للدولة وسلطتها الشرعية الممثلة بالجيش اللبناني، الذي يقوم بواجبه في التصدي لخطر «التكفيريين» وينتشر في التلال المشرفة على البلدة لحمايتها وهو أيضاً قام بتنظيف مخيمات اللاجئين من «المشبوهين» على مدى الشهور الماضية ولا يريدون الحماية من أحد إلا منه، كما أن التعاون بين فاعليات عرسال والقيادات الأمنية سهّل الكثير من الأمور، في حين أن «حزب الله» يريد الهيمنة على «الشريط الحدودي« مع سوريا بدءاً من اللبوة ـ الهرمل مروراً ببعلبك ووصولاً الى رياق وربما وصل هذه المنطقة بالمنطقة الحدودية في البقاع الغربي ووصلها بالجنوب اللبناني، في ما يشبه «الدويلة» الصغيرة لولاية الفقيه، لحماية ظهر الدويلة «العلوية» السورية بعد انكسار قوة الأسد وفقدان جيشه القدرة على السيطرة على مناطق متعددة في الشمال السوري والتي كان آخرها اعلان المعارضة فتح معركة حلب ولاحقاً حمص أيضاً، ومن هنا تعتبر معركة القلمون بحسب الأمين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصرالله معركة حياة أو موت، ومن أجلها أعلن التعبئة العامة وخوّن «الشيعة» المعارضين لسياساته، ووضع عرسال وأهلها في دائرة الخطر وحتى إن تطلب الأمر فتنة مذهبية لن تقتصر تداعياتها على السنة والشيعة وإنما على كل اللبنانيين.
يقول أحد أبناء عرسال لـ»المستقبل»: «نحن ظهيرنا وحامينا الجيش اللبناني وهناك وعي يتنامى عند الأهالي في طريقة التعاطي مع النازحين السوريين وعدم السماح بدخول غير المدنيين أو محاولات جعل بلدة عرسال جبهة ميدانية أو خلفية لتحركاتهم، حيث هناك ثغرة يريد حزب الله ردمها تتمثل في قطع امداد المؤونة للمقاتلين في جرود القلمون من السوريين ولهذا يحاول توريط الجيش بالمعركة وكان واضحاً في طلبه التنسيق مع الجيش السوري في ذلك الذي يقوم بقصف المعابر ويطال الأراضي اللبنانية بالقذائف الفوسفورية، لا سيما في بساتين الأشجار المثمرة الممتدة على الحدود والتي يعتاش من جناها أكثر من نصف أبناء البلدة، وحيث تسببت الأحداث والتطورات منذ سنتين في منع الأهالي من الاستفادة من هذه المواسم، التي كان إنتاجها يصدر إلى الخارج، لا سيما إلى الدول الخليجية وتستر آلاف العائلات، كما هناك صعوبة في الوصول الى مقالع الحجر حيث يعمل النصف الآخر تقريباً ويعتاش من ورائها في حين تتدهور الأحوال المعيشية للعائلات مع الحصار المفروض ويكفي إعطاء مثال على ذلك ان بعض معلمي المدارس الخاصة لم يقبض رواتبه منذ اكثر من 5 أشهر بسبب عدم قدرة الاهالي على تسديد أقساط أولادهم«.
في مهب الرياح الإيرانية، يريد «حزب الله» وضع مصير أهالي عرسال وحوالى 100 ألف لاجئ سوري إليها وإلى جوارها، من النساء والأطفال والمدنيين، ويشرع الباب للقوى «التكفيرية» للعب على الأرض اللبنانية، لتبرير سوقه مجندين من صغار السن في الطائفة الشيعية، نحو «المحرقة القلمونية» ومرجحاً كفة مصالح الأسد على مصالح أبناء الطائفة الشيعية نفسها، وهو ما يعيه جيداً أبناء عشائر بعلبك والهرمل، الذين بدأوا يطرحون الأسئلة الصعبة على أنفسهم؟ ويحاولون الإجابة، وفقاً لهذا الأمر، فإن باب الحوار بين أهالي عرسال وجيرانهم لا يقفل، وحركة الفاعليات تتواصل من أجل لجم المغامرات الانتحارية، لعل وعسى تنجح جهود صلات الوصل في تجنيب المنطقة ما ليس في الحسبان، وعلى طريقة الرئيس الراحل صائب سلام، فإن هناك نوعاً من «التفهم والتفاهم»، والموقف السياسي الذي «لا يفسد في الود قضية» كما يقولون. وهنا تشير مصادر متابعة إلى أن «الحوار ضروري بين أبناء المنطقة في إطار السعي لإزالة الهواجس وتبديد الغيوم السوداء بالنقاش وتوضيح وجهات النظر والخضوع لمرجعية الدولة في كل ما يتعلق بأوضاع المنطقة، فالدولة ضمانة العيش المشترك ويجب إزالة المخاوف ووضع حد لأي خطاب مذهبي يستخدم من أجل بناء المتاريس والحواجز بين أبناء المنطقة الواحدة«.
وليس بعيداً عن ذلك، فإن لغة العقل والمنطق التي استخدمها الرئيس سعد الحريري منذ أن اندلعت حوادث عرسال في آب الماضي، ومن أجل حمايتها بوجه من يحرّض عليها، تلقى ترحيباً من جانب أهالي عرسال الذين دعموا الثورة السورية كما دعموا سابقاً الثورة الفلسطينية وكما دعموا أيضاً المقاومة ضد إسرائيل وكانوا جزءاً منها.
عرسال تختنق اليوم أمنياً واقتصادياً أكثر من أي وقت آخر، مع تصاعد التهديدات التي يطلقها «حزب الله» والأهالي الذين يلوذون بالدولة وحدها ينتظرون موقف مجلس الوزراء مجتمعاً في تأمين الدعم اللازم أولاً وأخيراً واتخاذ قرار واضح بالحماية الأمنية من قبل الجيش اللبناني وانتشاره في البلدة والذي كان بالأمس بينهم، قرار يلزم الفرقاء الممثلين بالحكومة بذلك، ولا يسمح لهم بالخروج الى منطق التصعيد الجنوني الذي جرى التعبير عنه أمس ببيان صادر عن كتلة «الوفاء للمقاومة» هو مؤشر واضح على عمق الأزمة التي يعيشها «حزب الله« حتى يكاد يختنق داخل «شرنقة» أفعاله.