بين الخوف من الهواجس الأمنية التي كانت للبقاع الحصة الأكبر منها سواءٌ على الحدود أو في الداخل، والإندفاع نحو التعبير عن الرأي وتغيير الواقع، ووسط إنتشار كثيف للجيش اللبناني أمام مراكز الإقتراع وعلى الطرق الرئيسة والفرعية، إنطلقت العملية الإنتخابية في محافظة بعلبك الهرمل، حيث فتحت أقلام الإقتراع أبوابها عند السابعة والربع أمام الناخبين، لتقفل على فوز تحالف «حزب الله» وحركة «أمل» في معظم البلدات والقرى.
على عَكس ما كان متوقعاً، شقّت العملية الإنتخابية في بعلبك – الهرمل طريقها بهدوء وسط إرتياح بين المواطنين وإنتشار أمني، وحركة سير شبه خجولة في الأسواق والأحياء باستثناء تجمّع مندوبي المرشّحين بكثافة أمام مراكز الإقتراع منذ الصباح الباكر، ليبدأ بعدها توافد الناخبين للإدلاء بأصواتهم.
وقد شهدت بعض المدن والبلدات تنافساً حاداً ومعارك حامية مثل عرسال وبريتال وبعلبك، في حين شهدت بلدات أخرى منافسة بين الأحزاب والعائلات مثل إيعات ويونين واللبوة، إضافة إلى تنافس بين لوائح مكتملة وأخرى غير مكتملة ومرشحين منفردين.
حماوة في بعلبك
في بعلبك، توزّع 58 قلم إقتراع على سبعة مراكز فاتحين الباب أمام 31578 ناخباً للإدلاء بأصواتهم وإنتخاب مجلس بلدي يتألف من 21 عضواً، إضافة إلى إنتخاب 26 مختاراً لثمانية أحياء في المدينة.
مشهد بعلبك الإنتخابي هذه المرة أخذ طابعاً مختلفاً لم يكن أحد يتوقع حماوته، حيث تنافست ثلاث لوائح هي: لائحة «التنمية والوفاء» التي تضم تحالف «أمل» – «حزب الله» وحلفاءهما، اللائحة الثانية برئاسة المحامي غالب ياغي رئيس البلدية الأسبق (1998-2004) وتضمّ عشرين عضواً من كلّ عائلات المدينة، وثالثة تضمّ ثلاث سيدات من «مواطنون ومواطنات في دولة» إضافة إلى ثلاثة مرشحين منفردين.
وفيما بدت نسبة الإقبال على الإقتراع خجولة صباحاً بحيث لم تتخطّ الـ12 في المئة، بدأت بالإرتفاع لتبلغ 28 في المئة قرابة الثانية بعد الظهر، قبل أن تصل إلى 45 في المئة عصراً، لكنّ إقبال الناخبين المسيحيين في مركز ثانوية خليل مطران بقي ضعيفاً حيث وصلت النسبة إلى 5 في المئة ظهراً.
وفيما لم تُسجّل أيّ إشكالات، ساد إرباك صفوف الناخبين في المدينة، نتيجة استبدال مركز متوسطة بعلبك الأولى للبنات لناخبي حي الريش الغربي بمركز استُحدث في ثانوية الشهيد السيد عباس الموسوي لصعوبة الوصول إلى المركز الاول، واستبدال مركز ناخبي حيّ غفرة من مدرسة بعلبك الخاصة الى مدرسة النور.
هدوء في عرسال
أما عرسال التي عاشت حماوة إنتخابية أكثر من أيّ بلدة أخرى بعدما كثر الحديث عن تأجيل الإنتخابات فيها بسبب الظروف الأمنية، فبدأ أهاليها بالتوافد منذ الصباح الى مراكز الاقتراع على رغم أنّ الصناديق لم تفتح حتى الثامنة، وقد توزّعت الأقلام على مركزين: مدرسة جواهر الأداب، ومركز المهنية الذي شهد أعنف جولات القتال في معركة الثاني من آب 2014 والتي سقط فيها عدد من الشهداء للجيش اللبناني بينهم المقدم نور الجمل.
يوم عرسال الطويل واكبه إنتشار أمني كثيف للجيش اللبناني وتسيير دوريات داخل البلدة ترافق مع حظر تجوّل للنازحين السوريين بدأ منذ مساء السبت.
وتُعتبر معركة عرسال الإنتخابية من أهم المعارك في قرى وبلدات المحافظة، كون التحدي هو على قرار عرسال وعلاقتها بمحيطها، إذ إنّ ما شهدته من مشكلات في الآونة المنصرمة، جعل العراسلة يعيدون النظر في خياراتهم، حيث تشكلت ثلاث لوائح متنافسة، إثنتان مكتملتان: الأولى يترأسها رئيس البلدية الحالي علي الحجيري «أبو عجينة» وتحمل إسم «المستقبل عرسال»، والثانية برئاسة باسل الحجيري تحت إسم «عرسال تجمعنا»، أما اللائحة الثالثة فتضمّ عائلات عرسال تحت إسم «عرسال أولاً»، وقد تنافست هذه اللوائح لإختيار 21 عضواً في المجلس البلدي ينتخبهم 15470 ناخباً.
الأهالي توافدوا إلى الإقتراع بكثافة منذ الصباح حيث إرتفعت النسبة من 15 في المئة إلى 50 في المئة عند الثالثة بعد الظهر، لترتفع مع إقفال الصناديق إلى 60 في المئة، ما اعتبر خير دليل على إيمان العراسلة بالتعبير عن رأيهم، وبأنهم أصحاب القول الفصل في أيّ إستحقاق تشهده البلدة، ليبقى صوتهم هو الأساس في إيصال الأفضل إلى المجلس البلدي.
لم تعكّر أجواء الإنتخابات في عرسال أيّ شائبة أمنية أو خلافات، عدا أسئلة المواطنين لمحافظ بعلبك الهرمل بشير خضر الذي زار البلدة عند العاشرة صباحاً متفقداً أقلام الإقتراع، شاكين مشكلة النقل والتأخر في الوصول إلى المراكز، وكذلك الضغط الذي يواجهونه مطالبين بتمديد فترة الإقتراع.
وأثنى خضر بعد جولته على العملية الانتخابية ودور الجيش في الحفاظ على الأمن، وقال: تجوّلنا في عرسال واستقبلنا الاهالي بنثر الورود والأرزّ ونحر الخراف، ومن الطبيعي أن يكون اليوم يوماً أمنياً استثنائياً في عرسال من اجل الحفاظ على العملية الديموقراطية داخل اقلام الاقتراع وخارجها، وهذا يأتي ضمن التنافس والإقبال الشديد وكثافة الاقتراع في المراكز الانتخابية».
ولفت إلى «تأكيد اهالي عرسال تمسّكهم بالدولة والشرعية والمؤسسات الامنية وهذا يأتي نتيجة ارتباطهم بالدولة اللبنانية وولائهم للجيش الذي قدم التضحيات والشهداء».
بريتال المعركة الكبرى
في المقلب الآخر، شهدت بلدة بريتال معركة إنتخابية حامية بكلّ ما للكلمة من معنى، حيث إعتُبرت أمّ المعارك نظراً لطبيعة الصراع السياسي الذي تحمله الإنتخابات، بعدما قرَّر «حزب الله» الدخول في المعركة للمرة الأولى بعد دورات ثلاث ترأس خلالها عباس زكي إسماعيل المحسوب على الشيخ صبحي الطفيلي المجلس البلدي.
وهي الدورة الأولى التي يدخل فيها الحزب المعركة الإنتخابية في وجه عائلات البلدة تحت شعار الوفاء لدماء الشهداء، وهو ما عزاه البعض إلى المواقف الأخيرة التي أطلقها الأمين العام السابق للحزب صبحي الطفيلي، في ما يتعلّق بمشاركة «حزب الله» في الحرب السورية.
أكثر من 9700 ناخب توجّهوا إلى صناديق الإقتراع في بريتال لإختيار 18 عضواً للمجلس البلدي ضمن لائحتين مكتملتين: الأولى تحت إسم «الوفاء للشهداء» ويدعمها «حزب الله»، في مقابل لائحة مكتملة برئاسة عباس زكي إسماعيل تحت إسم «لائحة إنماء بريتال»، وسط إنتشار كثيف لفرقة الفهود في قوى الأمن التي تسلّمت ضبط العملية الإنتخابية في البلدة بعكس بقية البلدات حيث تسلّمها الجيش. ولأنّ المعركة حامية جداً، فقد ارتفعت نسبة المشاركة في الاقتراع من 20 في المئة الى 61 في المئة مع انتهاء اليوم الانتخابي.
معارك بالجملة
وإن كانت البلدات الكبرى قد شهدت معارك إنتخابية، فهذا لا يلغي أنّ البلدات الأخرى شهدت بدورها معارك، حيث تشكلت فيها لوائح من العائلات في وجه الأحزاب أو لوائح عائلات في ما بينها.
ففي بلدة اللبوة تنافست لائحتان مكتملتان من 15 عضواً: الأولى مدعومة من «حزب الله» تحت إسم لائحة «التنمية والوفاء»، والثانية مؤلفة من العائلات.
وشهدت بلدة حوش الرافقة غربي بعلبك حركة إقبال كثيفة من المقترعين وصلت إلى نسبة 47 في المئة عصراً، وإرتفعت مع إقتراب إقفال صناديق الإقتراع نظراً لحماوة المنافسة بين لائحة عائلات البلدة والمجنّسين برئاسة رياض يزبك، ولائحة يترأسها صهره عادل يزبك مدعومة من «حزب
الله» و«امل» تحت إسم «التنمية والوفاء».
أما بلدة شعث فقد شهدت انتخابات حامية لاختيار 15 عضواً بلدياً و5 مخاتير، وهي تُعدّ من كبرى بلدات البقاع الشمالي إذ يبلغ عدد ناخبيها نحو ستة آلاف موزعين بين السنّة والشيعة. وقد انحصرت المنافسة بين لائحتين، الاولى بإسم «التنمية والوفاء لشعث» مدعومة من «حزب الله» و»أمل»، والثانية لائحة «إنماء شعث» مدعومة من عائلات البلدة سنّة وشيعة، وقد وصلت نسبة الاقتراع إلى 30 في المئة عصراً.
وفي بلدة الطيبة البقاعية تنافست لائحتان: «لائحة الوفاء للطيبة» برئاسة ايلي خوري و»لائحة عائلات الطيبة» برئاسة طوني ابو شعيا، ووصلت نسبة الاقتراع فيها إلى 40 في المئة. فيما تنافست لائحتان في بلدة إيعات: الأولى مدعومة من «حزب الله» و»أمل»، في مقابل لائحة «الوفاق العائلي» المكوّنة من العائلات، حيث شهدت صناديق الاقتراع حركة إقبال كثيفة.
وكان اللافت أنّ بلدة بلدة حوش السنيد شهدت إطلاق نار بين مقترعين نتجت عنها إصابة 3 عناصر من القوى الأمنية. فيما أصيب المؤهل في قوى الأمن الداخلي (ج .الحاج حسن)، بجروح خلال إشكال وقع في مركز انتخابي في بلدة حوش النبي بين شبان من آل الحاج حسن من بلدة الجبين، على خلفية الانتخابات البلدية. وعلى الفور تدخل المحافظ خضر حيث زار المركز الانتخابي وعمل على تهدئة الوضع.
وليلاً، أعلن عن فوز لوائح «حزب الله» وحركة «أمل» في بلدات: حوش سنيد، حوش النبي، مقراق، قرحا، حلبتا، اللبوة، مجدلون والخضر.
أما في بتدعي فقد فازت لائحة بتدعي وفاء للشهيدين صبحي ونديمة فخري.
وفي بلدة حوش بردى قضاء بعلبك، فازت اللائحة غير المكتملة التي يترأسها رئيس البلدية السابق جورج أبي حيدر والتي تضمّ كلّاً مِن شفيق أبي حيدر، غسان أبي حيدر، أنطوان أبي ياغي، رلى حاتم، ابراهيم البلعة، نزيه شبلي، وإيلي سلامة، وقد أضيفَ إليها فائز من اللائحة المنافسة الياس أبو خليل.
وكانت البلدة قد شهدت أمس أجواء انتخابية هادئة وسلمية، بحيث بلغَت نسبة الاقتراع 38 في المئة. وغابت الانتخابات الاختيارية بعد فوز وديع أبي حيدر بالتزكية.