IMLebanon

عرسال في حمى الجيش.. والعين على الجرود

نوايا، توقعات، أخبار، معلومات، وقائع ومصادر. جميعها مفردات يدور محور استخدامها اليوم، في «المعركة المرتقبة» في جرود عرسال التي بدأ يُمهد لها «حزب الله» منذ أشهر بعد وصول المفاوضات بينه وبين الجماعات الإرهابية في الجرود، إلى طريق مسدود. وما زاد من هذا الاعتقاد، أي قرب بدء المعركة، كلام الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله في خطابه الأخير والذي قال فيه: «إنها المرة الأخيرة التي سأتحدث فيها عن جرود عرسال. والذين في هذه الجرود، هم تهديد للجميع بما فيها مخيمات النازحين السوريين، لأنهم كداعش التي كانت في الموصل».

جرود عرسال على فوهة بركان. هو كلام واقعي لا يُمكن أن يحمل أي التباس أو احتمال آخر، فالمعركة قد بدأت فعلاً وإن بوتيرة أخف مما يُمكن أن تكون عليها فيما لو حصلت بشكل أوسع. ومن مجريات الأمور والتأرجح بين فكرة احتدام المعركة في الجرود وتطاير شظاياها إلى داخل عرسال البلدة، وفكرة حصرها ضمن بُقع جغرافية محددة، تؤكد مصادر ميدانية أن «حزب الله» قد بدأ فعلاً بحشد مقاتليه منذ فترة وجيزة وهو يقوم باستعدادات عسكرية مثل استحضار مقاتلين من الداخل السوري ومن لبنان ووضع فرقة «الرضوان» في جهوزية تامة، ولوجستية مثل تفعيل طرق الامداد بالسلاح والمؤن الغذائية، واستحداث مستشفيات ميدانية تُسهّل عملية نقل المُصابين ومعالجتهم بشكل سريع، وكذلك معابر وطرق قد يستعملها للمرة الأولى، توصل الجرود ببلدات وقرى بقاعية تتبع مباشرة لسلطته السياسية والجغرافية.. والمذهبيّة.

مصادر ميدانية أكدت لـ «المستقبل» أن «حزب الله» المعني الأساسي في هذه المعركة، سوف يبدأ هجومه من الجهة السورية وتحديداً من بلدات سورية خالصة له تقع من الجهة الشرقية والشمالية والجنوبية للجرود، عقب عمليات قصف تكثّفت على مدار الأيام الماضية، شنّها طيران النظام السوري على مواقع تابعة للجماعات المسلحة من بينها مواقع على تماس مباشر مع الحدود اللبنانية، بهدف تفريق هذه الجماعات وتشتيتها وضعضعة مواقعها«. وفي السياق تبرز مخاوف كبيرة لدى أهالي بلدة عرسال من تطور المعركة بشكل دراماتيكي وذهابها نحو الأسوأ، إمّا عن طريق حرفها لتطال البلدة وأبناءها، وإمّا بتحرك مُفاجئ من بعض الأشخاص من داخل خيم النازحين في عرسال، يكون هدفه مساندة الجماعات الإرهابية ودعمها. وهنا يبرز الدور الأهم للجيش اللبناني والخطوات الإستباقية التي يقوم بها للحؤول دون حدوث أي خضّة من الداخل اللبناني، سواء من المخيمات، أو من أي مكان آخر يُمكن أن يُحدث بلبلة أمنية.

مصادر عسكرية تكشف لـ»المستقبل«أن»الجيش لن يعتبر معركة الجرود معركته ولن يكون حاضراً أو معنياً بـ «قص شريط» إفتتاحها. فللجيش مهام محددة لن تُثنيه عن تطبيقها أي اعتبارات لا تمت لمصلحة البلد بشكل أساسي، ومصلحة المؤسسة العسكرية. وعلى رأس تلك المهام، منع أي تسلل أو اختراق إلى داخل البلدات اللبنانية تحت أي من الظروف وخصوصاً حماية بلدة عرسال وأهلها ومنع تهجيرهم أو أقله العبث بأمنهم وأرزاقهم«. ونفت المصادر نفسها ان يكون الجيش أبلغ أهالي عرسال، بضرورة إخلاء الطرقات والأشغال، إذ ان الأمور تسير حتى الساعة في عرسال، على طبيعتها والجيش يفرض مراقبة مستمرة على الداخلين والخارجين منها. ويُمكن للجميع أن يُلاحظ الاحتياطات التي يتخذها الجيش في سبيل تأمين الأمن للأهالي.

وتأكيداً منه للخطوات التي يتخذها الجيش، يؤكد رئيس بلدية عرسال باسل الحجيري لـ»المستقبل«، أن»ثمة تحضيرات عسكرية يتم التحضير لها لبدء معركة الجرود المتاخمة للبلدة، على الرغم من أنه لا يُمكن أن نرى هذه التحضيرات لكن هناك مؤشرات واضحة تدل على قرب حصول المعركة«، مؤكداً وجود تخوّف كبير لدى الاهالي من امتداد المعركة إلى قلب البلدة، لكن ما يمنع من تفاقم هذه الشكوك، هي التطمينات التي يمنحنا إياها الجيش سواء من خلال وجوده، أو عبر بالتأكيدات بأن حماية البلدة ستكون من أولوياته وعلى رأس لائحة إهتماماته. وهذا ما نحتاج اليه اليوم كأهالي عرسال. ويجب ألا ننسى أن هناك وعياً كبيراً لدى الأهالي ولدى إخواننا النازحين، بأن أي تصرّف خاطئ ضد الجيش لن يكون في مصلحة أي طرف».

وشدد على أن «عرسال تقف اليوم وقفة وطنية إلى جانب الجيش. ونحن كبلدية اتخذنا جملة احتياطات مع الشرطة، من دون أن ننسى مواقف شباب عرسال الذين وضعوا أنفسهم بتصرف المؤسسة العسكرية وبتصرف المؤسسات الرسمية في البلدة من بلدية وشرطة. وكذلك الأمر بالنسبة إلى النازحين، فهم أيضاً وضعوا أنفسهم بتصرفنا وطالبوا مثلنا بضبط وضع المخيمات، كونه يصب في مصلحتهم بالدرجة الأولى. وأي خلل أمني من قبل أي طرف داخل البلدة، سوف يُعالج بأقصى سرعة من دون أن يترك خلفيّات»، مناشداً «جميع وسائل الاعلام، عدم اللجوء إلى تخويف الاهالي المتسلحين بوعيهم وبحماية الجيش المؤسسة العسكرية الشرعية الوحيدة في اللبد، والتي يُمكن التعويل عليها فقط، لإخراج عرسال وأهلها من المرحلة الصعبة التي تمر بها اليوم».

المعلومات الواردة من عرسال تُفيد بأن ضُبّاط وعناصر الجيش في الجرود، هم في حالة استنفار دائمة. فوهة المدافع والبنادق موجهة على الدوام باتجاه الجرود، والأهالي في حالة مواكبة دائمة لآخر التطورات المعطوفة على الثقة العمياء التي يولونها للمؤسسة العسكرية والتي يعتبرون أنها حصنهم الأول والاخير لكل ما يُمكن أن يواجهونه. كل هذه المعنويات تجعل من عرسال اليوم، بلدة آمنة إلى حد كبير مع خوف دائم من بعض محاولات الإختراق باتجاه الأراضي اللبنانية ومن المعارك التي تحصل بين المسلحين أنفسهم، وهو ما ينعكس دائماً على وضع المخيمات في البلدة، خصوصاً وأن عناصر من «داعش» كانت تعمد بين الحين والآخر إلى التقدم نحو الجهة اللبنانية حيث تقوم بقصف مواقع الجيش بقذائف الهاون، لكن من دون أن تتمكّن من الثبات في أماكنها لفترة طويلة، بفعل الضربات التي تتلقاها على يد الجيش.

تتراوح أعداد المُسلحين في المواقع في الجرود المواجهة للجيش، بين 2000 و2500 مقاتل، بينهم حوالي 1400مقاتل لـ «داعش» و700 لـ جبهة النصرة«، ويتوزع الباقون على مجموعة تنظيمات من بينها»الجيش السوري الحر«،»أهل الشام«وبعض الأسماء التي تتبدل من وقت إلى آخر لأسباب تتعلق إمّا بالتحالفات والخصومات في ما بينها، وإمّا بهدف إعطاء دفع معنوي جديد للعناصر بسبب الإنهيارات التي تلحق بهم. وتبرز في السياق معلومات تؤكدها المصادر وهي أن أي محاولة من قبل التنظيمات الإرهابية، للتسلل إلى عرسال أو أي بلدة أخرى، سيكون مصيرها الفشل كما سيكون الموت مصير منفذيها». وتجزم بأن كل ما سيقوم به الجيش في الجرود سواء في حال اشتعال المعركة، أم لا، لن يكون على الإطلاق بالتنسيق مع أي جهة، لا من الداخل اللبناني، ولا من الداخل السوري، على عكس جميع الفرضيات التي يتكهّن بها البعض.

ضمن عقيدته الثابتة والراسخة، تُعتبر مسألة تنظيف الجرود من الإرهابيين بالنسبة إلى الجيش، مسألة لبنانية بحتة لا تخضع لا إلى ظروف ولا إلى تسويات ولا حتّى إملاءات خارجية. لذا فإن دعمه السياسي والعسكري الخارجي، يعود فقط الى نجاحه في تثبيت الأمن على الحدود بعدما ظلّت لفترة طويلة مُستباحة من قبل الإرهابيين و«فالتة» أمام الإنتحاريين وسياراتهم المُفخّخة. والأهم أن الجيش ومن خلال العمليات النوعية التي يُنفذها، أثبت أن رسم خريطة الجرود اللبنانية وهندستها بالشكل الذي يجعلها مكاناً خالياً من الجماعات الإرهابية، هي مهام حصرية تُنفّذ داخل الغرف العسكرية. وتذهب المصادر إلى التأكيد أن أبرز المقومات التي يبني عليها الجيش صموده وتعزيز قوته وحضوره، هو الدعم السياسي الذي وفّره له العهد الجديد رئاسةً وحكومة، ومن خلال الثقة التي أُعطيت له منذ بداية هذا العهد حتى اليوم. من دون إغفال الثقة الكبيرة التي توليها العديد من الدول للمؤسسة العسكرية والتي تزداد يوماً بعد يوم وتُترجم دعماً وتسليحاً غير مشروطين.