نداءٌ جديد إلى الذين يعنيهم الأمر، إذا وُجِدوا: أنقذوا عرسال. ففي موازاة المواجهة الجرديّة بين الجيش و»داعش»، تقترب البلدة من انفجارٍ داخليّ خطرٍ جداً. ولمرَّةٍ، هل ينجح المعنيون في تَوقُّعِ الكارثة قبلَ وقوعها… علماً أنهم تأخَّروا كثيراً؟
اليوم تُعاقَب عرسال على خطيئةٍ إرتكبَتْها، وهي أنها أخذت في صدرها إحتضان الهاربين من النار السورية الذين منحهم أهل عرسال بيوتهم، وتعاطفوا معهم من باب الإنسانية والجيرة والقرابة… والقضية والمذهب! منح العرساليون 60% من بلدتهم للسوريين: بلدة الـ40 ألف نسمة باتت بلدة الـ90 ألفاً. وعملياً، بات أهلُها ضيوفاً لدى ضيوفهم!
مبدئياً، ليس في الأمر ما هو مثير إذا تذكَّر اللبنانيون أنّ بلدهم يضمُّ، مقابل الـ4 ملايين لبناني، 2.5 مليون سوري وفلسطيني. لكنّ عرسال بدأت تتعرَّض لخطر الإنفجار، وهذا درس يمكن أيضاً إنطباقه على لبنان بأسره.
منعاً لسوء النيَّة أو التفسير، يجدر التأكيد أنّ غالبية النازحين مواطنون بسطاء لا هَمَّ لهم سوى توفير الأمن والرغيف لأولادهم. ولكن هناك أقلية تديرها «داعش» و«النصرة» وأخواتهما. بدأت تأسر النازحين وعرسال معاً.
وتمارس «داعش» أعمالَ التنكيل، خطفاً وقتلاً، وسمحت لنفسها بإصدار أحكام شرعية على بعضهم بالجَلد أو التصفية (الإعدام) أو السجن، على الطريقة التي تمارسها في سوريا والعراق. ولم يعد العرساليون يجرؤون حتى على التعبير عن آرائهم، خوفاً من عقاب «داعش».
ويحتقن الأسى في صدور العرساليين وتتنامى النقمة على داعش». ولكن، في الترجمة العملية، يقع الإلتباس أحياناً. ويسود توترٌ صامت بين سكان البلدة والنازحين الذين سيطروا على معظم مفاصلها.
وما جرى أخيراً يدشِّن مرحلة مخيفة من العلاقة بين العرساليين و«داعش». فالبلدة تنتقل من حال التوتر مع التنظيم الإرهابي إلى التصفيات المتبادَلة. وبعد الصورة الشنيعة لذبح يونس الحجيري، جرت تصفية «داعشي» آخر في عرسال، بعد تصفيات سابقة متبادَلة. فإلى أين تذهبُ عرسال؟
تبدو هذه البلدة اللبنانية يتيمة ووحيدة وضعيفة ككبش فداء ومتروكة في أقاصي الجرد اللبناني- السوري. ولا يُتاح للجيش اللبناني طمأنة أبنائها، فيما هو يلاحق مصير مخطوفيه ويخوض مواجهة قاسية لمنع تمدُّد الإرهابيين وإحتلالهم بلدات بقاعية أخرى.
ويبدو العرساليون عند مفترق حاسم بين خيارين:
1- أن يرضخوا للأمر الواقع ويُحنوا رؤوسهم ويصبروا حتى مرور العاصفة السورية وعودة النازحين إلى بلدهم وكلّ شيء إلى مكانه.
2- أن ينتفضوا ويطلقوا مواجهة لا هوادة فيها مع «داعش» وأخواتها. وفي الخيار الثاني، قد يجد العرساليون أنفسَهم مضطرين إلى الدخول على خط المنازعات بين «داعش» وجماعات أخرى تصارعها أو تنافسها. وهنا يكون الوضع أصعب.
مشكلة الخيار الأول تكمن في أنّ الأهالي لم يعودوا قادرين على التحمّل، خصوصاً أنّ الحرب السورية مفتوحة إلى موعدٍ لا يمكن تحديده. ولذلك، هم مضطرون إلى الإنتفاض.
وأما مشكلة الخيار الثاني فتكمن في أنه يقود إلى حرب داخلية لا هوادة فيها، وغير متكافئة، بين العرساليين العُزَّل من السلاح والمافيات الإرهابية المنظمة، والتي تمتلك عمقاً إلى الشرق من سوريا إلى العراق، والمتحكِّمة بالبلدة وجرودها.
وفي هذه المواجهة، سيكون خطِراً وقوعُ التباس بين الإرهابيين والنازحين، فتصبح المواجهة أهلية لبنانية- سورية، على أرض عرسال. وهذه المواجهة لن تقف مفاعيلها ولا أضرارها عند حدود.
في الفيزياء، لا شيءَ يولد من لا شيء. وفي السياسة كذلك. وعندما تتخلّى دولةٌ عن كرامتها وسيادتها وقرارها وتفتح أبوابها بلا حساب للإنتهاكات، ذهاباً وإياباً، عليها أن تتوقّع أن يدفع شعبُها ثمناً باهظاً.
اليوم تنادي عرسال مجدَّداً: «أنقذوني»!… إذا لم يكن قد فات الأوان…