IMLebanon

معركة عرسال إن أتت.. والجيش بلا سلاح

المؤسسة العسكرية تستشعر محاولة لتطويقها في الداخل

معركة عرسال إن أتت.. والجيش بلا سلاح

يضغط هاجس الارهاب على الجميع، وتتوسّع بؤر التوتّرات الامنية، فيما الخوف يكبر من المشهد العرسالي المفتوح على كافة الاحتمالات.

دقّ قائد الجيش العماد جان قهوجي جرس الانذار، معلنا ان المواجهة باتت حتمية مع المجموعات الارهابية في عرسال. وها هي التحرّكات المريبة لتلك المجموعات في جرود البلدة، وكذلك في بعض مخيمات النازحين السوريين، وعمليات التسلّل المتتالية، ان في اتجاه بريتال وقرى البقاع الشمالي او في اتجاه مواقع الجيش، تؤّشر على أن معركة عرسال الثانية صارت قاب قوسين أو أدنى من الحصول.

ويبدو ان تلك المجموعات تحضّر لغزو البلدة مجدّدا بعدما فشلت في اختراق جبهة بريتال في اتجاه البقاع او الزبداني او النفاذ من الطوق المفروض عليها، كما ستفرض عوامل الطبيعة حساباتها بحيث ستدفع هؤلاء الى تأمين ملاذ دافئ لهم!

وفي مقابل هذا الواقع، يبدو الجيش متأهّبا، باللحم الحيّ والسلاح المتوافر، في مواجهة معركة محتملة لا يعتبرها فقط معركة ردّ اعتبار على الغدر الذي تعرّض له في الغزوة الأولى، بل معركة مصيرية بالنسبة الى المؤسسة العسكرية والبلد برمّته.

ولكن على اهمية الارادة القتالية العالية لدى الجيش وجهوزيته، فإنها تبقى بلا فعالية إن لم تقترن بأدوات المواجهة والسلاح الفعّال في وجه المجموعات الارهابية المحترفة.

وأسوأ ما في الامر ان الخطر يقترب، فيما الجيش متروك في العراء ومن دون ان يتأمّن له الحدّ الادنى من السلاح النوعي الذي يمكّنه من المواجهة والصمود في وجه تلك المجموعات.

فالجيش يحتاج، وبالحد الادنى، الى عتاد متطوّر عابر للخطوط الحمر. والمفارقة ان المجتمع الدولي الذي يحثّ الجيش على محاربة الارهاب، وحماية الحدود مع سوريا، وأخذ مكان «حزب الله» في مواجهة العدو الاسرائيلي، وحماية الداخل اللبناني، والقيام بمهام سائر القوى الامنية، يحرم في المقابل المؤسسة العسكرية من أي دعم حقيقي، يمكن أن يصرف انتصارات في مواجهات خطيرة من هذا النوع.

طبعا هذا لا ينفي ان الولايات المتحدة الاميركية تواصل تقديم بعض السلاح والذخائر الى الجيش، الا انه ليس بالسلاح القادر على حسم معارك بسيطة، فكيف بالحري بمعركة قاسية مع المجموعات الارهابية؟

والمفارقة ان بعض التيارات السياسية في لبنان، ولاسيما في «تيار المستقبل» و«14 آذار»، لا تكف عن تأكيد دعمها اليومي للجيش، الا انها في الوقت ذاته تترك لاصوات ان تخرج من داخل صفوفها وتهاجم المؤسسة العسكرية وتمذهبها وتحرض عليها، كما لا يطيب لهذه التيارات ان تمارس التقشف وسياسة شد الاحزمة، إلا عندما يتعلق الامر بإنفاق يستفيد منه الجيش!

يشعر الجيش عمليا انه يتعرّض لعملية تطويق. فممنوع عليه ان يتسلّح، وممنوع عليه ان يقاتل كما يجب، وممنوع عليه ان يصمد ويدافع عن جنوده ومواقعه، وممنوع عليه ان يحسم معركة مع ارهابيين، وممنوع عليه ان يقترب من مناطق نفوذ ومحميات تتغطى بالدين والمذهب والطائفة، وممنوع عليه ان يطارد مجرما اعتدى على عسكريين او اخلّ بأمن المواطنين، وان يحاسب عسكريا منشقا يجد من يصفق له في بعض المناطق. فقط مسموح للجيش ان يـُقتل، وان يُستهدف ويسكت!

ثم يأتيك من يزايد ويقول ان على الجيش ان يتولى وحده زمام الامور، وان يمتلك وحده حق القتال والدفاع عن الحدود من الشمال الى الجنوب بالاضافة الى امن الداخل وكل تشعباته.

وكأن هذا الجيش صار مكتفيا ذاتيا، ويمتلك فائضا من السلاح النوعي والفتاك. ويرجعون الفضل في ذلك الى هبة الثلاثة مليارات السعودية التي ما زالت «ورقية» ومعطلة باعتراف كل المعنيين بها، وكذلك الامر بالنسبة للمليار دولار الموجود بحوزة الرئيس سعد الحريري، والذي لم يصرف أسلحة حتى الساعة.

والمفارقة الغريبة ان المزايدين يدركون ان الجيش يحتاج الى السلاح اكثر من اي وقت مضى، ومع ذلك يمارسون لعبة قلب الحقائق والوقائع، ويحاولون فرض حقيقة وهمية بان السلاح السعودي قد وصل، وان لا حاجة الى سلاح آخر من اي مصدر آخر.

والبوصلة تتجّه هنا صوب ايران التي أعربت عن استعدادها لتقديم هبة سلاح غير مشروطة للجيش اللبناني. فكيف يتمسّكون بهبة ورقية لم تصل بعد وقد لا تصل، ويقيمون الدنيا على هبة واقعية وجاهزة للتسليم، الا اذا كان المقصود حجب السلاح نهائيا عن الجيش لكي لا يتمكن من حسّم معركة عرسال؟