IMLebanon

عرسال ما لها وما عليها؟

عرسال، بلدة لبنانية كبيرة، تكاد ان تكون مدينة، ومحيطها الجغرافي يمتد عميقا حتى الحدود مع سوريا. والمعروف عن عرسال انها بلدة تضم يساريين وعلمانيين ومتدينين معتدلين، وقدمت الى الجيش وقوى الامن والى مؤسسات الدولة الاخرى، العديد من ابنائها، وكانت قبل نشوب الحرب في سوريا منذ اكثر من ثلاث سنوات، على علاقة ود وتعاون وصداقة مع القرى والبلدات ذات الاغلبية الشيعية والمسيحية، الى ان برز عاملان اساسيان، غيرا الى حد بعيد من وجه عرسال الحقيقي، وحولاها من بلدة آمنة ومستقرة الى بلدة محكومة بالعنف والتوتر والعداء مع جيرانها الشيعة. العامل الاول، عندما تحول التعاطف مع المعارضة السورية وفتح الابواب امام النازحين السوريين، الى حذر وترقب وقلق وبداية احقاد، مع بروز العامل الثاني، بانغماس حزب الله الشيعي في حرب ضد المعارضة السورية، ذات الاغلبية الشعبية السنية، بحسب العراسلة، وخوض معارك الى جانب قوات النظام السوري في منطقة القلمون المتداخلة مع جرود عرسال، وقد تزامنت هذه المعارك مع تقهقر مسلحي المعارضة، ليس في منطقة القلمون وحسب، بل ايضا في عدد من المواقع الاخرى، وبروز نجم المسلحين التكفيريين مثل تنظيم «جبهة النصرة» و«تنظيم داعش»، وبعض التنظيمات التكفيرية الاخرى الاقل شأنا وقوة وعددا، وتغلغل هؤلاء باتجاه القرى والبلدات اللبنانية الحدودية، وفي شكل خاص باتجاه عرسال، التي تضم اكثر من 100 الف نازح سوري، ما حول عرسال الى ملاذ آمن لهذه الجماعات التكفيرية التي نجحت في استقطاب عدد من ابناء عرسال مستغلة العصبية المذهبية والعداء المستيقظ بين السنة والشيعة، واغداق المال والسلاح عليهم، وشحنهم بالكراهية للجيش اللبناني «الصليبي» الذي ينفذ ما يريده حزب الله بحق اهل السنة على حد قول العراسلة، وقد وقعت عدة اعتداءات على الجيش اللبناني وعلى قوى الامن الداخلي، ذهب ضحيتها شهداء من الضباط والجنود، قتل بعضهم بالسكاكين بعد الاسر.

***

مسؤولية العراسلة، من رئيس البلدية والاعضاء الى المشايخ، ودار الافتاء، الى المجتمع المدني والنافذين في عرسال، بدأت عندما لم يروا الخطر القادم اليهم، بل اغلب الظن انهم اعتقدوا ان هؤلاء المسلحين هم ضمانتهم وحمايتهم من سلاح حزب الله والشيعة، ووقعوا بالخطأ ذاته الذي وقع فيه معظم السنة في لبنان، عندما اعتبروا ان المقاومة الفلسطينية هي جيش السنة في لبنان وليس الجيش اللبناني الذي اعتبروه يوما فئويا وطائفيا، ولو ان العراسلة، والمتقدمين منهم، نسقوا اولا مع قياداتهم السياسية المتمثلة بتيار المستقبل، ومع مرجعيتهم الروحية في بيروت، ومع جيشهم الوطني، لوضع سياسة الوقوف في وجه هذا الطاغوت التكفيري، والحؤول بينه وبين السيطرة على مدينتهم، لكانوا وفروا الكثير عليهم وعلى الجيش وقوى الامن والوطن، كما يؤخذ على الشيخ مصطفى الحجيري الذي «استضاف» الجنود والعسكريين المخطوفين في داره، واعلن انه قام بهذا الواجب «لحمايتهم، عاد وساعد في اخراجهم من عرسال الى جرودها، بدلا من الوقوف مع ابناء عرسال، وكلهم مسلحون ومقاتلون، في وجه المسلحين لمنعهم من خطفهم بعيدا، والمتاجرة لاحقا بدمائهم وارواحهم.

يبقى اخيرا امام هذه الحكومة المتهالكة، واجب اخذ القرار والخيار اللذين تراهما الافضل لمعالجة مأساة خطف الجنود، بدلا من «علك» الكلام غير المفيد. واطالة امد الازمة، واطلاق المخطوفين الاتراك الـ49 سالمين مكرمين من «داعش» قد يكون دليلا على الجهة القادرة على مفاوضة «داعش» وليس قطر، كما ان ترك بعض الاعلام، يصول ويجول ويحرض بالصوت وبالصورة وبالكلمة، وينقل الى العلن ما يؤذي جنودنا المخطوفين وقضيتهم هو استقالة كاملة من المسؤولية في زمن الحرب التي يخوضها لبنان اليوم.