تسجل الاوساط المواكبة لايقاع الشارع الدرزي نقلة نوعية للمير طلال ارسلان في مقاربة المستجدات من خلال المواقف التي يعلنها في المناسبات واثناء استقبال قواعده الحزبية والشعبية في دارته في الشويفات، معتمداً اسلوب التصريح بدل التلميح، الى حد بدأ يثير فيها حفيظة نده على الرقعة الدرزية النائب وليد جنبلاط، فالمير طلال اليوم ليس كالامــس تمــاماً، لقد انتقل الرجل من ضفة الى اخرى من حيث الحركة وتزخيم لقاءاته الشـعبية التي غالباً ما يطغى عليها طابع الحماس في مقاربته للملفات الامنية خصوصاً وانه يدرك ان المرحلة استثنائية ولا تحتمل الزئبقية على الاطلاق.
وتضيف الاوساط لقد عرف ارسلان منذ وراثته للزعامة الارسلانية بهدوء الطباع والتروي على خلفية انه يفضل بناء صداقات لا مراكمة خصامات وعلى قاعدة في «التأني السلامة وفي العجلة الندامة» فاذا بالساحة الدرزية من اقصاها الى ادناها التفت حول «بيك المختارة» بفعل مواقفه النارية من كافة المجريات، فالدروز بطبعهم حماسيون واصحاب «فزعة» وفق قاموسهم ويقفون الى جانب الزعيم الذي يجنح الى القوة، وعلى الرغم من ذلك لم يلجأ ارسلان في السابق الى هذا الاسلوب على الرغم من معرفته الواثقة من المزاج الدرزي، الا ان الامور انقلبت رأساً على عقب فقرر الا يترك الحلبة الدرزية لجنبلاط الذي كان لاعبها الاول بفعل تراكمات الحروب اللبنانية العبثية ورفض المير مجيد انخراط قواعده في لعبة الدم، وما زاد من قوة جنبلاط الى حد كاد يلغي ارسلان وكبار السياسيين في لبنان الدعم السوري المطلق على كافة الاصعدة.
وتشير الاوساط الى ان اول عملية جس نبض في اختبار قوة ارسلان من قبل جنبلاط جاءت عشية ملء شغور مشيخة العقل، فعرض على المير ان يكون تحت عباءته المجلس المذهبي لقاء الوقوف على الحياد في قضية مشيخة العقل والاوقاف الدرزية، الا ان موقف ارسلان فاجأ جنبلاط اذ ابلغه ان مسألة المشيخة تعود الى اولياء الامر من المشايخ اصحاب «العمامة المكولسة»، فرفض البيك، ما دفع المير الى تعيين شيخ العقل ناصر الدين الغريب عن اليزبكية وفق العرف التاريخي لينتخب الشيخ نعيم حسن شيخاً للعقل بتوجيه جنبلاطي، ومرّت المسألة دون ان تترك ترددات في الشارع الدرزي الا ان اندلاع الاقتتال في المنطقة وخصوصاً في سوريا، وضع ارسلان في نقطة خلافية كبيرة مع جنبلاط فباتا قطبين متنافرين الى ان يقدر الله امرا كان مفعولاً.
وتقول الاوساط ان رقعة الخلاف بدأت تظهر الى العلن منذ احداث 7 أيار، يوم اعلن جنبلاط تخليه عن قيادته للمير لاخراج الطائفة من المأزق، ونجح الاخير في ذلك، وبعدما «نظّم» جنبلاط خلافه مع «حزب الله» عاد للتفرد بالقرارات التي تتعلق بمصير الدروز كطائفة في لبنان الى سوريا، الا ان ارسلان لم يخل له الساحة فقارعه الموقف بالموقف فاذا القطبان الدرزيان نقيضان في الشكل وفي المضمون، ففي مؤتمر «الحبتور» الذي اقامه شباب «الحزب الديموقراطي اللبناني» اعلن المير ان زعامته تاريخية وليست نابعة من مقعد عاليه، وهذا الكلام كان رداً صريحاً على حلقة جنبلاط الضيقة التي سوقت ان «البيك» سمح للمير بالمقعد المذكور، وازداد الخلاف بين الطرفين اثر معركة عرنة التي لم تنته فصولاً، ففي الوقت الذي اعلن فيه ارسلان بوجوب قتال التكفيريين وعلى قاعدة «ليس منا من اعتدى وليس منا من لم يرد الاعتداء»، جاء الرد الجنبلاطي بمهاجمة النظام السوري والترويج على ان شهداء الدروز سقطوا نتيجة خديعة سورية.
وفي الوقت الذي تشير فيه المعلومات عن تجمع للتكفيريين في شبعا ووصول امدادات «للنصرة» في القنيطرة عبر وادي اليرموك الذي يوصلها بالاردن اعلن ارسلان السبت الفائت عن ضرورة التنسيق بين الجيشين اللبناني والسوري لمكافحة ارهاب «النصرة» و«داعش» فاستعمل جنبلاط الرد بالقول «ما هذه البدعة المستجدة بالتنسيق بين الجيشين» ما يشير الى ان ارسلان بات يثير مواجع جنبلاط وحساباته معاً، فهل يصل الطرفان الى حدود الطلاق البائن بعيداً عن ديبلوماسية «امن المجتمع الدرزي فوق كل اعتبار».