برغم مرور قرابة 27 عاما على انتهاء الحرب اللبنانية، إلا ان أحد جروحها العميقة لم يقفل نهائيا بعد، وهو ملف المهجرين الذي خُصصت له منذ سنوات طويلة وزارة وصندوق، من دون ان يكون ذلك كافيا، حتى الآن، لطي فصوله كافة.
وعليه، فان عدم ختم هذا الملف بالشمع الاحمر وصولا الى انتفاء الحاجة لوجود وزارة المهجرين، سيظل إشارة واضحة الى ان تداعيات الحرب لا تزال مستمرة بشكل او بآخر.
والاخطر من ذلك، هو ان هذا الواقع يكشف عن خلل في سلوك الدولة وطريقة تعاملها مع هذه القضية على مدى عقدين ونصف من الزمن، وسط تساؤلات مشروعة تُطرح حول حجم الهدر في المال والوقت خلال كل تلك السنوات الطويلة التي يفترض انها تكفي ليستعيد كل مهجر حقه.
وإذا كان وزير الاعلام ملحم رياشي يتطلع الى اقفال وزارة الاعلام، فانه كان من الأولى ان يتم اقفال وزارة المهجرين، قبل أعوام، لو ان الدولة قاربت هذه المسألة بمسؤولية ونزاهة، بدل اخضاعها لاعتبارات طائفية ومصلحية.
ومع استلام رئيس الحزب الديموقراطي النائب طلال ارسلان وزارة المهجرين، بدأ بإجراء نوع من المسح الشامل لكل الملفات المتوارثة التي لا تزال عالقة، وما يستوجبه اقفالها كليا من متطلبات.
ولئن بدا ان العمر الافتراضي لحكومة الرئيس سعد الحريري ليس طويلا، ولا يتعدى من حيث المبدأ الاشهر القليلة ربطا بالانتخابات النيابية المقبلة، إلا ان ذلك لم يمنع ارسلان من المباشرة في وضع خطة متكاملة للمعالجة الجذرية.
وينكب ارسلان، في هذا السياق، على وضع مشروع لقانون- برنامج، يهدف الى تأمين عودة من تبقى من المهجرين وانصاف جميع اصحاب الحقوق في المناطق المعنية، خلال السنوات الاربع المقبلة، على ان يجري في نهاية هذه المدة اغلاق وزارة المهجرين رسميا والاستغناء عنها، بعدما يكون قد انتفى مبرر وجودها.
وبيّنت الطلبات والملفات المعلقة التي اطلع عليها ارسلان ان الكلفة الاجمالية للاستجابة لها وتسديد أعبائها المالية هي 1000 مليار ليرة لبنانية تقريبا، وهو رقم ضخم، لاسيما بعد مرور 27 سنة على انتهاء الحرب. وعُلم ان ارسلان يعيد مراجعة حساباته وخياراته سعيا الى عصر النفقات وتخفيف الاكلاف، خصوصا ما يتعلق منها بطلبات الترميم المنجز والتي اتضح ان تغطيتها المالية ترتب مبالغ بمئات مليارات الليرات.
ويعتقد ارسلان ان مضي اكثر من 25 سنة على توقف الحرب بات يبرر تضمين القانون الذي يُحضّره بندا يتعلق بالغاء تعويضات الترميم المنجز، علما ان عدد الطلبات بهذا الصدد يبلغ حاليا 80 الف، بمعدل 5 ملايين ليرة للطلب الواحد، اي ان الوفر المالي سيقارب الـ 400 مليار ليرة، إذا تجاوب مجلس النواب مع طرح الالغاء.
وما يعزز اتجاه ارسلان نحو «شد الاحزمة»، على هذا الصعيد، اكتشافه ان الكثير من تلك الطلبات مرتبط بتنفيعات وواسطات، ولا يعكس احتياجات وحقوقا مشروعة. والمفارقة، كما ظهر بعد التدقيق، ان هناك من يحاول الحصول على تعويضات للترميم في مناطق بعيدة ونائية، ليس معروفا عنها انها كانت مسرحا لاحداث او مواجهات عنيفة.
وما يدعو الى الاستهجان، هو ان العديد من السياسيين يتولون الضغط والتدخل، باشكال عدة، لدعم أصحاب هذه الطلبات والتوسط لهم. وبين هؤلاء السياسيين من ينادي في العلن بالشفافية لكنه يحاول في الخفاء تأمين حصص غير مستحقة للمناصرين والمؤيدين باسم انصاف المهجرين والمتضررين!
وفي اطار محاولة تحصين آلية الانفاق وضبطها، عُلم ايضا ان الذين سبق لهم ان تقاضوا دفعة اولى في الماضي ولم يباشروا في الترميم، سيحصلون على فرصة محددة كي يستدركوا الامر، تحت طائلة عدم منحهم الدفعة الثانية إذا ثبت انهم لم يصرفوا المبالغ السابقة في المكان الصحيح.
ويأمل ارسلان، وفق تقديراته الأولية، في ان تقود الضوابط التي يحاول وضعها الى تخفيض في موازنة القانون- البرنامج الذي يدرسه، من 1000 مليار الى قرابة 400 مليار ليرة او أكثر بقليل، بحيث يكون من واجب الدولة تأمين 100 مليار او ما يزيد قليلا في السنة، على مدى اربعة أعوام، تُلغى بعدها وزارة المهجرين.
ومنعا لتأثير مزاجية اي وزير قد يتولى لاحقا حقيبة المهجرين، يسعى ارسلان الى ادراج خطته ضمن قانون يكون ملزما لكل من يأتي بعده.