IMLebanon

فن المُمكن

إلى متى يستمر المواطن اللبناني بدفع ثمن خلافات أهل السياسة، وإلى متى يمكن أن تعمد الدولة المعطّة والمشلولة منذ أكثر من عقد ونصف من الزمن ولا أحد من هؤلاء يتكلّف بعناء طرح هذا السؤال على نفسه قبل طرحه على الآخرين، لأنه منشغل عن ذلك بالبحث عن الوسائل التي تضمن له تكريس زعامته له ولمَنْ بعده من ورثاء شرعيين أو بجمع الثروات وتكديسها في خزائن موزّعة على مصارف محلية وأجنبية؟

لا أحد لا يملك الجواب الشافي على هذا السؤال وعلى كل الأسئلة الأخرى المطروحة، فالجميع بدون استثناء يعرفون حق المعرفة أن مكمن العلّة هم هؤلاء السياسيين أنفسهم وأن لا علاج إلا بإبعادهم عن السلطة والإمساك بمقدرات الدولة والشعب، لكن المشكلة تكمن في كيفية تحقيق ذلك في ظل نظام بُني في الأساس للمحافظة على زعامتهم وعلى توريثها جيلاً بعد جيل، وبالرغم من أن هذا المواطن يعرف ذلك إلا أنه في الوقت نفسه عاجزٌ عن ممارسة حقه في تغيير هذا النظام وما آل إليه الحراك الشعبي الأخير من فشل سوى دليل على صحة ذلك.

يُقال بأن دخول هؤلاء السياسيين على خط هذا الحراك العفوي أفسده، وصرفه عن أهدافه الحقيقية بحيث تحوّل إلى مجموعات من المشاغبين والمخرّبين، هذا قول صحيح، لكن الصحيح أيضاً أن هذا النظام مركّب بطريقة تجعله قادراً على الصمود في أي محاولة لتغييره بإرادة شعبية جامعة لكل الطوائف التي تولى زعماؤها صناعة هذا النظام، وتركيبته على مقاسهم.

ليس المقصود من هذا التحليل دفع المواطن اللبناني إلى اليأس والإحباط أو الاستسلام للأمر الواقع، وترك البلد إلى الفرِّيسين من هنا وهناك يسخّرون كل مقدّراته لأهوائهم ومصالحهم الشخصية، ومصالح أبنائهم وأحفادهم من بعدهم، بل هي دعوة صادقة إلى هذا المواطن «الموجوع» والمتألّم لأن يتحرر من التبعية لهؤلاء ويواصل حراكه بمطالب واحدة، وبصورة حضارية ديمقراطية ولا يتأثّر بألاعيب السياسيين وإغراءاتهم كما يتم تداوله حالياً، لإفساده وتحويله عن أهدافه الحقيقية، فالصمود وعدم التراجع هو المطلوب، إضافة بطبيعة الحال إلى وحدة المطالب، وهي أمور ليست مستحيلة التحقيق في حال عرف هذا الحراك كيف يتحرّر من تأثير السياسيين والأحزاب عليه وعلى أهدافه في إقامة دولة القانون والمساواة والعدالة الاجتماعية.

وبعيداً عن النقاشات الجارية بين قيادات هذا الحراك حول الأولويات فإن هذه الأولويات تبدأ بانتخاب رئيس جمهورية تليه انتخابات نيابية وفق قانون جديد يقوم على النسبية وحكومة تكنوقراط تكون أولى مهماتها تنفيذ خطة لترميم الاقتصاد الوطني من جهة واجتثاث الفساد المستشري في كل مؤسسات الدولة وزواياها من جهة ثانية، وأخيراً لا آخراً إبعاد السياسة عن الإدارة بعدما ثبت فشل هذه التجربة التي فرضتها على الدولة تلك الحرب الأهلية السيّئة الذكر.