انقضى اكثر من الثلث الاول من المهلة المنصوص عليها في المادة 59 دونما ان يتبين ان اللجوء اليها لوضع قانون جديد للانتخاب اثمر او يكاد. ليس للمادة 59 تتمة في ما تبقى من العقد العادي الاول، ولم يعد تمديد الولاية شبحاً
لا تزال طريقة التفاوض على القانون الجديد للانتخاب منذ ما قبل استخدام رئيس الجمهورية ميشال عون المادة 59 من الدستور نفسها، وستستمر كذلك حتى موعد انقضاء مهلة الشهر في 13 ايار، قبل ان يستعيد البرلمان نشاطه في الغداة. منذ التمديد الاول لولاية البرلمان الحالي عام 2013، يصر الافرقاء على اهدار الوقت وتغذية حجتهم بأن المخرج الوحيد للخروج من مأزق تعذّر اتفاقهم على قانون جديد للانتخاب هو، فحسب، تمديد ثالث للولاية سنة على الاقل.
ما يبدو جلياً حتى الآن ان المادة 59 تستنفد تدريجاً فاعليتها الدستورية، من غير ان تفضي الى حدّ ادنى من النتائج السياسية التي توختها. وهو مؤشر مهم لاستخلاص درس على هامش المداولات الجارية حيال القانون الجديد، مفاده عدم جدوى اللجوء، في اي زمان آخر، الى المادة 59، ومقاربتها من ثمّ على انها صلاحية دستورية غير مجدية، ولا تضيف مغزى الى الصلاحيات الحالية لرئيس الجمهورية، ولا تتعدى كونها صلاحية وهمية. فلم يؤتِ الضجيج الذي احاط باستخدامها ثماراً افصحت عن قوتها وتأثيرها، على نحو مماثل لصلاحية مشابهة نصّت عليها الفقرة 10 من المادة 53 التي تجيز للرئيس توجيه رسائل الى مجلس النواب عند الضرورة.
بانقضاء اكثر من ثلث المهلة تستنفد المادة 59 فاعليتها الدستورية بلا نتائج سياسية
إستخدم الفقرة 10 من المادة 53 من قبل رئيسان للجمهورية هما الياس هراوي عام 1998 واميل لحود عام 2005، تلقفهما مجلس النواب بالاكتفاء بتلاوتهما في جلسة عامة دونما الأخذ بهما، او مناقشتهما باستفاضة أو ابداء رأي فيهما حتى، فطويتا في الادراج كأنهما لم تكونا، او لا معنى لرسالة الرئيس. وذلك خلافاً لروحية ما رمت اليه الفقرة 10، المحدثة منذ اتفاق الطائف والمنسوخة عن دستور الجمهورية الخامسة الفرنسية (1958)، اذ تمثل احد اوجه اعتراض رئيس الجمهورية على اداء السلطات الدستورية، وضرورة الاخذ في الحسبان مضمون الرسالة ومراجعة القرارات المشكو منها في علاقة السلطتين الاجرائية والاشتراعية، احداهما بالاخرى. وهو ايضاً ما عنته المادة 59 المتقدّمة في السن والسابقة لاتفاق الطائف، حينما يطلب الرئيس من مجلس النواب الامتناع عن الانعقاد في خلال شهر من العقد العادي، إما بسبب تباين في الرأي بين السلطتين الدستوريتين الاخريين ــــ وكان رئيس الجمهورية رئيس السلطة الاجرائية في دستور ما قبل اتفاق الطائف ــــ او بسبب تحفظه عن موقف مجلس النواب.
ولأنها المرة الاولى تستخدم، لم يسبقه اليها رئيس سلف ولم يلحظ تبعاً لذلك تطبيقها قبلاً آلية التوجه بها الى مجلس النواب، لجأ عون الى مخاطبة المجلس من خلال توجيه رسالة اليه عبر رئيس مجلس النواب. وهي الوسيلة المعوَّل عليها في الفقرة 10 المحدثة. على نحو كهذا، دمج رئيس الجمهورية، بالممارسة، الصلاحيتين (المادة 59 والفقرة 10 في المادة 53) بعضهما في بعض كي يرسي ــــ بل يؤسس ــــ للمرة الاولى آلية يُعوَّل عليها من الآن فصاعداً عند اللجوء الى المادة 59. ويصبح من ثمّ تطبيق الفقرة 10 ذا معنى وجدياً، فلا يكتفي البرلمان يتلقي العلم، بل ينظر اليها باهتمام.
مصدر القوة في الصلاحية المدمجة يقيم في المادة 59 اكثر منه الفقرة 10، كون الاولى اكثر الزاماً وتقييداً للبرلمان وامتثالاً لها بعدم الالتئام على الاطلاق في مدة الشهر المنصوص عليها.
في جانب من دلالة استخدام المادة 59 فك الاشتباك بين البرلمان والحكومة، كما بينه والرئيس. بيد انها المادة نفسها تقيّد رئيس الدولة في الاحتكام اليها كمخلب فاعل، فلا يسعه تعطيل انعقاد البرلمان سوى مرة واحدة في العقد العادي.
لم يرمِ استخدام رئيس الجمهورية المادة 59 الى اي من اسباب وضعها في علاقة السلطتين الاجرائية والاشتراعية بعضهما ببعض، بل تبعاً للتبرير الذي اعلنه، وهو الافساح في المجال امام التفاهم على قانون جديد للانتخاب. بذلك اضفى عون ــــ في اول احتكام الى هذه المادة في ظل دستور وطني نافذ ــــ مغزى مزدوج الدلالة: اولهما تعطيل جلسة مقررة لمجلس النواب في 13 نيسان للتصويت على تمديد ولايته سنة كاملة تنتهي في 20 حزيران 2018 كي يجهر برفضه هذا الاجراء، وثانيهما تأكيده أنه لن يعدم صلاحية دستورية بين يديه تمكنه من الحؤول ــــ مقدار ما يسعه ان يفعل ــــ دون تمديد ولاية مجلس النواب قبل انجازه قانوناً جديداً للانتخاب.
على ان التجربة الجديدة تكمن في ان المشكلة ليست في سلطة دستورية دون اخرى، وليست الآن بين الحكومة والبرلمان، بل في السلطتين معاً. اذ ان افرقاء التفاوض خارج مجلسي الوزراء والنواب هم الكتل البرلمانية الرئيسية الممثلة لكتل الغالبية الحكومية نفسها. وهم الذين يحولون دون الاتفاق على القانون الجديد للانتخاب سواء في هذا المكان او ذاك.
على ان ما اقدم عليه رئيس الجمهورية ــــ وإن لم يثمر تماماً بعد، على الاقل حتى الآن ــــ كان في وسع سلفه الرئيس ميشال سليمان، حتى عشية جلسة التمديد الأول في 31 ايار 2013 ــــ وقد توافرت لديه حينذاك حظوظ اقوى من خلفه في السيطرة على المهل القانونية ــــ استخدام المادة 59 وتفادي التمديد الاول والرئيس السابق لما يزل في قصر بعبدا، وربما كان في الامكان آنذاك تفادي التمديد الثاني في 5 تشرين الثاني 2014 وقد وقع الشغور الرئاسي. لم يدل احد سليمان على المادة 59. ربما لم يدله احد ايضاً، قبل ان يطعن في قانون تمديد 2013 لدى المجلس الدستوري، على المادة 57 لردّ القانون ورفض توقيعه في مهلة الشهر، كي ينسجم اذذاك رفض توقيع قانون التمديد مع مراجعة الطعن فيه وطلب ابطاله لعدم دستوريته.