IMLebanon

أيّتُها المادةُ الثالثةُ والسبعون

 

 

لو أنّ المشترع الذي وضعَ المادةَ الثالثة والسبعين من الدستور اللبناني الرامية إلى انتخاب رئيسٍ للجمهورية.. لو أنّـه كان يعلم أنّـه سيأتي زمانٌ على لبنان تكون هذه المادةُ فيـهِ مادةً للإنقسام البرلماني، والفراغ الدستوري، وقطْعِ رأس الدولة، لكانَ هذا المشترع قطـعَ يـدَه قبل أن يدوّن في الدستور هذه المادة التي اسمها الثالثة والسبعون.

لو كان يعلم أنّ لبنان سيجورُ عليه الزمان حتى الإنهيار: العمارُ فيه دمار، القياداتُ صغار، والرجال عبيد في دواوين السلاطين، لكان هذا المشترع تجرَّع السُمّ كمثل «سقراط» قبل أنْ يضـعَ دستوراً وشرائع لدولة المزارع.
ثـمَّ، مَـنْ هو هذا العملاق الأسطوري الذي يشقُّ عُبابَ البِحار على سفينة نـوح، وسط هذا الطوفان، ويكون إسمُه رئيساً…؟
مـنْ هو هذا البطل الفدائي الذي يحمل على منكبيه هذا الثقل التاريخي، يمتشقُ سيفَ النصر، ويعتلي صهوةَ الـمُهْـر جموحاً إلى رئاسة جمهورية أصبحتْ شبـهَ لبنانية…؟
لـوْ أنّ الذين يتهوّرون ترشيحاً للرئاسة بما هي عليه اليوم، يُدركون حقاً حجمَ المهمّـة وأهوالهَـا وأحمالَها، لأَحجَموا وما أقدموا…
المواصفات كلُّها، التي حُـدِّدِتْ للرئاسة المعزَّزة والرئيس القـويّ المظفّر، هي مواصفاتٌ باطلة أثبتتْ فشلَها الذريع وأوصلت البلاد إلى الهاوية.
هل ذكرتْ هذه المواصفات، أنّ الذي يسعى إلى الرئاسة زحفاً: يترجّى، يتسكّع، يقـف على الأبواب ويقبّل الأعتاب، هذا: شبحٌ رئاسيّ فأرفضوه…؟
والذي تسعَوّن أنتم وراءَه، تترجّونَـه، تتوسَّلون إليه وهو يرفض، هذا: تمسّكوا بـه ورشّحوه…؟
الذي يقـف على الأبواب، يكون موالياً للباب العالي…
والذي يقـف على رجليه يكون سيّـد نفسه موالياً للبنان السيد.

المملوك مدينٌ لأولياء الأمر، خادمٌ في الهيكل، يُضيء الشموع للتماثيل…
وسيدُ نفسه، يتحرّر من العبودية، يحطّـم التماثيل ويُعلنُ نفسهُ ملكاً…
لبنان الوطن، تهدّم، ولبنان الأرض تمـزّق، ولبنان الكيان تبعثر، ولبنان الصيغة تناثـر، ولبنان السيادة تفتّـت، ولبنان المصير في فـمِ المجهول، وفي لبنان، قيادات ترتمي في أحضان الجنون التاريخي، وتقدّم رأس الدولة المقطوع هديّـةً متواضعةً إلى الملوك العشّاق، كما قـدّم الملك «هيرودس» رأس يوحنا على طبقٍ من فضّـة إلى الراقصة التي يُحبُّ أمَّـها.
بين لبنان الذي كان، ولبنان الذي يكون، سيظلّ مضمونُـه ينطلق مِـنْ تاريخه ليكون بلـد الحريات، ومِـنْ جغرافيته ليكون رابطة الشرق بالغرب، ومِـنْ موقعه ليكون عربيّاً، ومِـنْ رسالته ليكون عالميّـاً، ومِـنْ صيغته ليكون فريداً، ومِـنْ تعدُّديِّتـهِ ليكون مثالياً، ومن خصائصه ليكون ممّيـزاً، ومن ثقافته ليكون رائداً، ومن حضارته ليكون قيمـةً إنسانية ومثالاً عالميّاً للمجتمعات الروحية المتآلفة.
بغير هذا المحتوى التاريخي للبنان، لا يعودُ لبنان إلى لبنان، ولا يعود أيُّ معنى لرئيسٍ في لبنان، ولا يكون لأبنائهِ شرفُ الإنتماء إليه، إنْ لم يحافظوا عليـه…
عندما تتحدّد هذه الأهداف حول هويّـة لبنان التاريخية والحضارية، تتقلّص كلُ الخلافات حـول الدستور والرئيس والنظام الجديد ولبنان الجديد، ولا نعود نختلف طائفياً على اقتسام الفردوس، ووطنياً على اقتسام الوطن، ولا يعود الوطن الجديد في حاجـةٍ إلى لبنانيين من جديد.