Site icon IMLebanon

المادة 86: عاصفة في فنجان فقط؟

مُنحت حكومة الرئيس تمام سلام مادة جديدة لنشوب خلافات بين وزرائها، هي الموازنة العامة التي تعد نفسها بإصدارها ولا تملك كيف. لا تحمل المادة 86 الدواء الشافي لإقرار أول موازنة منذ عام 2005 من دون طرق أبواب مجلس النواب

مذ طرح وزير المال علي حسن خليل، في جلستين متتاليتين لمجلس الوزراء في 12 تموز ثم في 18 منه، في معرض تأكيد استعجال الموازنة العامة، احتمال إصدارها بمرسوم عملاً بالمادة 86 من الدستور، بسبب تعذّر مناقشة مجلس النواب إياها، توسّع الجدلان السياسي والقانوني في توافر الأسباب اللازمة للوصول إلى خيار، لا يعني فحسب إقرار الموازنة للمرة الأولى منذ عام 2005، بل مغزى الموافقة على تطبيق حكومة الرئيس تمام سلام صلاحية لم تكد تسبقها إليها من قبل أي حكومة.

توزّع المادة 86 مسؤولية تطبيقها على مرجعيات ثلاث هي اليوم في أسوأ حال تتوقعها لنفسها: رئيس الجمهورية غير الموجود، مجلس الوزراء المنقسم على نفسه وعلى الصلاحيات المنوطة به، مجلس نيابي يتعذر اجتماعه بسبب الخلاف على دوره في ظل الشغور الرئاسي بيد أنه لم يرسل مرة أدنى إشارة، وخصوصاً رئيسه نبيه بري، إلى استعداده للتخلي عن جزء من صلاحياته.

تلحظ المادة 86 دوراً جوهرياً لرئيس الجمهورية

ثمة شروط ومهل مقيّدة للحكومة ومجلس النواب على السواء، تسبق إصدار الموازنة بمرسوم، يقتضي استنفادها تماماً قبل الوصول إلى قرار الإصدار. من دون المرور بمراحل الآلية هذه كاملة، يتعذر التفكير في تطبيق المادة 86: أولها إحالة الحكومة مشروع قانون الموازنة على البرلمان قبل بدء العقد العادي الثاني المخصص لمناقشتها وإقرارها، ثانيها أن يعكف مجلس النواب على درسها والتصويت عليها قبل نهاية العقد الثاني في 31 كانون الأول، ثالثها مبادرة رئيس الجمهورية بالاتفاق مع رئيس الحكومة بإصدار مرسوم عقد استثنائي طوال شهر كانون الثاني حتى نهايته حصراً فسحاً في المجال أمام البرلمان وإمهاله مزيداً من الوقت لإقرار الموازنة، رابعها مبادرة مجلس الوزراء إلى اتخاذ قرار يصدره رئيس الجمهورية بمرسوم يقضي باعتبار مشروع الموازنة نافذاً تبعاً للصيغة التي أُحيلت بها على مجلس النواب دونما الأخذ بما بلغته أعمال المجلس في مناقشاتها وتعديلاتها، خامسها أن إصدار الموازنة بمرسوم يقتضي أن يسبقه طرحها على مجلس النواب قبل 15 يوماً من بداية العقد العادي الثاني ولا يملك مجلس الوزراء اتخاذ قرار بمرسوم نفاذها دونما احترامه هذه المهلة.

سببان على الأقل يحوطان بتعذر تطبيق المادة 86 وفق ما توخاه الاقتراح الذي تداوله مجلس الوزراء بغية إصدار الموازنة العامة:

1 ــ معظم فقرات المادة 86 ترتبط بوجود رئيس الجمهورية وصلاحياته. فهو مَن يحيل مشروع الموازنة على مجلس النواب بمرسوم، وهو مَن يصدر مرسوم العقد الاستثنائي، وهو مَن يصدر مرسوم وضع مشروع الموازنة موضع التطبيق بالصيغة التي أُحيلت بها على مجلس النواب. في ظل الشغور الرئاسي، فإن انتقال الصلاحيات المتدرجة تلك إلى مجلس الوزراء عملاً بالمادة 62 يفتح باباً إضافياً على الخلاف داخل المجلس، بين وزراء يعتقدون بأن انتقال الصلاحيات مطلق غير مجتزأ ولمجلس الوزراء مجتمعاً أن يمارس صلاحيات الرئيس كاملة غير منقوصة، ووزراء يرون بعض صلاحيات رئيس الجمهورية تصلح لانتقالها إلى مجلس الوزراء وبعضها الآخر لصيقة به كالتفاوض لعقد المعاهدات الدولية في المادة 52، وتوقيعه مراسيم تسمية رئيس مجلس الوزراء وتأليف الحكومة وقبول استقالة الوزراء أو اقالتهم في المادة 53، كما من قبيل إجراء الاستشارات النيابية الملزمة، وحق طلب إعادة النظر في القوانين وفق المادة 57، واقتراح تعديل الدستور في المادة 76 وسواها.

الواقع أن حكومة سلام أخفقت مراراً في توصل وزرائها إلى اتفاق على إصدار مرسوم عقد استثنائي منذ مطلع عام 2015، بعد انقضاء آخر مرسوم عقد استثنائي وقعه الرئيس ميشال سليمان قبيل انتهاء ولايته، استمر حتى العقد العادي الثاني في تشرين الأول 2014. مذ ذاك، ألحّ رئيس مجلس النواب نبيه بري مراراً على فتح عقد استثنائي، كذلك رحب سلام أكثر من مرة بهذا العقد، بيد أن انقسام وزراء حكومته على انتقال هذه الصلاحية إليهم أفسد الوصول إلى مرسوم العقد، ما حال دون التئام البرلمان، لأسباب مختلفة، في العقدين العادي والاستثنائي. من دون مرسوم عقد استثنائي يترتب على حكومة سلام الإخلال بأحد الشروط الجوهرية للمادة 86، حينما يتعذر عليها احترام آلية المهل لإقرار الموازنة.

2 ــ ثمّة جدل مفتعل يرتبط بعبارة «طرح» وردت في الفقرة الأخيرة من المادة 86، تقول بأن استخدام مجلس الوزراء صلاحية إصدار مشروع الموازنة بمرسوم مقيّد بشرط أن يكون المشروع قد «طرح» على مجلس النواب قبل 15 يوماً من بدء العقد العادي الثاني. ثمة قائلون إن كلمة «طرح» تعني إحالة مشروع الموازنة على المجلس فحسب، وقائلون إنها تعني مباشرة مناقشته في الهيئة العامة.

يستعيد هذا الجدل ما رافق المادة 58 سنوات طويلة قبل أن يتولى اتفاق الطائف تصويبه، عندما قيل إن مجرد إحالة مشروع قانون معجل على مجلس النواب كافية كي يبدأ سريان مهلة الـ40 يوماً لإصداره بمرسوم بالصيغة التي أُحيل بها. إبان ترؤس الرئيس حسين الحسيني البرلمان عُدّل النظام الداخلي كي يجعل آلية تطبيق المادة 58 متوافقاً وما توخته، وهو أن تسري مهلة الـ40 يوماً بعد مباشرة مناقشته. في مرحلة منصرمة سابقة لعقود أصدرت حكومات عدة وخصوصاً في عهدي الرئيسين كميل شمعون وفؤاد شهاب ــ وأكثر تحديداً في حقبة شهاب ــ مراسيم وضعت موضع التطبيق عدداً لا يستهان به من مشاريع القوانين، إذ اعتبرت حينذاك سريان المهلة فور إحالة المرسوم على المجلس من دون أن يكون قد باشر مناقشته حتى. أتى اتفاق الطائف وفرّق بين «إحالة» و»طرح»، وقيّد سريان مهلة الـ40 يوماً ليس بإحالة المرسوم على البرلمان فحسب، بل إدراجه في جدول أعمال جلسة عامة وتلاوته كذلك، يبدأ عندئذ احتساب سريان المهلة.

الأمر نفسه ينطبق على المادة 86، وإن بدا ثمة مَن يتحدث عن «غموض» في إيراد المادة كلمة «طرح» على نحو يستشم منه سريان المهلة الواجبة لمباشرة مناقشة مشروع الموازنة قبل 15 يوماً من بدء العقد العادي الثاني فور إحالته.

في الغالب لا يعدو ما أُثير عن المادة 86 كونه عاصفة في فنجان فحسب.