في الوقت الذي شنَّ فيه الجيش عمليته الاستباقية النوعية الناجحة على الإرهابيين في منطقة جرود رأس بعلبك الاستراتيجية، لا يزال المشروع الرامي للإجازة للحكومة عقد نفقات من أجل «تأمين عتاد وبنى تحتية ملحة لمصلحة الجيش» معلقاً في ذمة النواب الذين يعطلون جلسات مجلس النواب لإقراره، رغم ما تعنيه قيادة الجيش عندما اعتبرته «ملحاً» لارتباطه «بالبنى التحتية» و «العتاد»!
وهذا المشروع واحد من بين ثلاثين صدقتها اللجان النيابية المشتركة بعد مناقشات طويلة ومريرة شارك فيها أكثر من وزير في كل اجتماع وحوالي ثلث مجموع عدد النواب الذين يمثلون جميع الكتل النيابية والأحزاب، خصوصاً أن معظمها يعتبر أيضاً ملحاً: إجازة إصدار سندات اليوروبوند، تعديل القانون المتعلق باكتساب غير اللبنانيين الحقوق العينية العقارية، الاقتراح المتعلق بسلامة الغذاء، بعض المعاهدات كاتفاقية التحكم في نقل النفايات الخطرة والتخلص منها، معالجة المياه المبتذلة في منطقة حوض الليطاني، وفتح اعتمادات إضافية لتغطية العجز في الرواتب والأجور في بعض الإدارات وغيرها…
وإذا توقفنا عند كل مشروع بمفرده، نجد انه يتوافق مع غيره من المواضيع، رغم اختلاف ماهية كل منهما في كون المواضيع تندرج تحت طابع العجلة، ويمكن لها إذا ما أخذت طريقها للتنفيذ معالجة شكاوى عارمة عند جميع اللبنانيين من دون استثناء، ولكنها رغم ذلك تبقى موضوعة على رفوف الأمانات في المجلس بقدرة بدع واجتهادات همايونية متعددة الجوانب التي منها مقاطعة بعض الكتل لجلسات التشريع قبل انتخاب فخامة رئيس الجمهورية الجديد، حتى وان كان التشريع يتعلق بقضايا ملحة لا تحتمل التأجيل كما في المشروع المتعلق بالجيش أو إصدار السندات أو حوض الليطاني أو نقل النفايات الخطرة والتخلص منها عبر الحدود وغيرها.
ان مقاطعة الجلسات وتعطيل اعمال المجلس التشريعية للسبب المعلن، وبصرف النظر عن أهمية وإلحاحية المشاريع المنجزة في اللجان، لا يمكن ان تصنف بالاجتهاد أو التفسير الخاطئ، ولنقل انها «ترتقي» إلى مثل هذه الصفة، فالدستور حصر الحالات التي يتوقف فيها التشريع بعدم وجود دورة وجلسة انتخاب الرئيس وإمكان ان يؤجل رئيس الجمهورية عمل المجلس لمدة شهر، فمن أين جاء شرط وجود رئيس أصيل للجمهورية أولا، شرطًا لعقد الجلسات النيابية تاليًا؟!
ان الدستور، وبموافقة رئيس الجمهورية الأصيل، أولى مجلس الوزراء ممارسة صلاحيات الرئاسة بالوكالة، وحرص على عدم المس بصلاحيات مجلس النواب، ولهذا، فإن شرط انتخاب رئيس الجمهورية أولًا لممارسة صلاحيات المجلس يصبح لاغياً.
عندما يكون التأجيل عملاً بأحكام الدستور، فمن الغباء اعتبار ذلك اعتداء على حق طائفة أو مذهب أو كتلة أو حزب، انما انضباط يقتدى به، فإذا ما أجَّل رئيس الجمهورية انعقاد المجلس لمدة شهر استنادًا لصلاحيته في المادة 59 ـ دستور لا يكون في ذلك عدم احترام لطائفة، وإذا امتنع رئيس الجمهورية عن الموافقة على تشكيلة رئيس الحكومة المكلف، لا يكون ذلك حدًّا من مقام، وكذلك إذا ما كان من «يحمي الدستور» حريصًا على ان لا يضع شرطًا أو حدًّا لممارسة مجلس النواب صلاحياته إلا ما جاء في النص الواضح، فتصبح مقاطعة بعض الكتل لجلسات المجلس انتفاضة في وجه مقام فخامة الرئيس وليس حرصًا على المقام. فهل من يرحم هذا المقام؟