إلى أين يمكن أن يذهب العماد ميشال عون بـ”انتفاضة” قوله: “من يتركني أتركه”؟
الواقع ان عون يحلم برئاسة الجمهورية منذ أن عينه الرئيس أمين الجميل رئيسا لحكومة تألفت من المجلس العسكري، وقد استقال منها على الفور ولاعتبارات سياسية ومذهبية ثلاثة ضباط كبار مسلمين لتصبح نصف حكومة مؤلفة من ثلاثة ضباط كبار مسيحيين فقط، ومع ذلك استمر العماد عون على رأسها في انتظار انتخاب رئيس للجمهورية. وقد واجه لبنان للمرة الأولى أزمة انتخابات لم تنته الا بعد التوصل الى اتفاق الطائف، ولأن العماد عون اعتاد خوض المعارك الصعبة او المستحيلة، فإنه خسرها كما خسر “حرب التحرير” التي كانت أكبر منه، و”حرب الالغاء” وقد استخف بها، واستمر في خوض مثل هذه الحروب حتى من منفاه في باريس. وعندما اوهمته سوريا من خلال سياسيين لبنانيين حلفاء لها بأنها ستؤيده للرئاسة الاولى اذا تخلى عن تحالفه مع 14 آذار، رفع لتبرير ذلك امام الرأي العام سقف شروطه عند تأليف اللوائح الانتخابية بمطالبته بأن تكون له الحصة الكبرى من المرشحين فيها، فكان ذلك سببا من اسباب فك تحالفه مع 14 آذار والتفاهم مع “حزب الله” عله يضمن فوز عدد من مرشحيه في اكثر من دائرة بأصوات الشيعة. وهو ما حصل فكانت له ثاني اكبر كتلة نيابية في مجلس النواب باسم “تكتل التغيير والاصلاح” الذي لم يستطع ان يغير شيئا على رغم اعتقاده انه يستطيع ذلك بعد مؤتمر الدوحة وعودته منه منتصرا باجراء الانتخابات النيابية على اساس قانون الستين، وظنا منه ان نتائجها ستضمن له الفوز بأكثرية المقاعد النيابية، وهذه الأكثرية تنتخبه رئيسا للجمهورية. وقد استبق النتائج بلوحات اعلانات عمت معظم المناطق تدعو الى اقامة “الجمهورية الثالثة”… لكن ظنه خاب اذ كانت الاكثرية لمرشحي قوى 14 آذار وليس له ولحلفائه في قوى 8 آذار، ولم يبق من تحالفه مع “حزب الله” سوى “ورقة التفاهم” التي صار تطبيل وتزمير لها وظل تفاهما على ورق. وعندما ادرك العماد عون ان تحالفه مع “حزب الله” حقق له فوزا في الانتخابات النيابية اقام له تكتلا هو الثاني بعد تكتل “تيار المستقبل”، إلا انه لم يحقق له حلمه الاكبر وهو الوصول الى رئاسة الجمهورية، قرر الانفتاح على “تيار المستقبل” كونه الناخب السني الاول في الانتخابات الرئاسية. وبعد حوار مع الرئيس سعد الحريري دام سنة تقريبا عله ينتهي بالموافقة على تأييد ترشيحه لرئاسة الجمهورية، تبين له ان الناخب السني لا يكفي وحده لضمان فوزه ولا بد من الحصول على تأييد الناخب المسيحي الممثل بالرئيس امين الجميل رئيس حزب الكتائب والدكتور سمير جعجع رئيس حزب “القوات اللبنانية”. ولكي يصبح عون مرشحا مقبولا من الاكثرية المطلوبة طرح نفسه مرشح وفاق وتوافق، لكن طرحه هذا لم “يقبضه” القطبان المارونيان الجميل وجعجع ما لم يعلن موقفا صريحا وواضحا من سلاح “حزب الله” ومن تدخله في الحرب السورية، ومن دور إيران في لبنان والمنطقة، وإلا فإن صفة الوفاق والتوافق لا تعود تنطبق عليه.
وقد تبين ان انطباق هذه الصفة عليه يتطلب منه فك تحالفه مع “حزب الله”، لكنه اذا فعل ذلك فإنه يفقد تأييد الناخب الشيعي القوي من دون ان يضمن تأييد الناخب السني القوي ولا الناخب الماروني. وهكذا تحول اصرار العماد عون على الترشح للرئاسة الاولى، ولو من دون أمل بالفوز، عامل تعطيل للانتخابات الرئاسية ولم يعد في استطاعة لبنان الاستمرار به بعد مضي سنة على الشغور الرئاسي. فما العمل إذاً؟
إن نافذة الأمل ظلت مفتوحة لعون وهي انتظار نتائج الصراع السعودي – الايراني في المنطقة، فإما ينتهي إلى غالب ومغلوب ويكون له عندئذ موقف، وإما ينتهي بتسوية لا غالب ولا مغلوب ويكون له موقف ايضا. أما إذا سبق هذا الانتظار قرار كان لا بد منه لجهة التمديد لقيادات عسكرية وامنية اذا تعذر الاتفاق على تعيين هذه القيادات، ووقف “حزب الله” مرة اخرى مع التمديد مخالفا موقف عون، كما خالف موقفه قبلا من التمديد لمجلس النواب وفيه اكثرية لا تؤيده للرئاسة الأولى، ولم يؤيده في اجراء انتخابات نيابية علّ نتائجها تأتي لمصلحة عون، فإنه بات يشعر بأن تحالفه مع “حزب الله” لم يعد مفيدا وهو يخوض آخر معاركه الرئاسية وقد صار في آخر عمره، ولم تعد تهمه الانتخابات النيابية اذا خسر معركة الرئاسة، بل بات يهمه العمل على استعادة حقوق المسيحيين في الدستور وفي قانون للانتخابات، وفي تجنيس المغتربين ليذكره التاريخ، وهو قد يستطيع ذلك بحواره مع الاقطاب المسيحيين، فمن لا يعود يطلب شيئا لنفسه ويستغني عن اي منصب يصبح قويا ويستطيع عندئذ ان يعطي لوطنه.