كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن دور لجان الأهل في مراقبة الموازنات المدرسية، في ظل إصرار أصحاب المدارس على أنهم لا يخالفون القانون؛ فمدارسهم لا تتوخى الربح، وبالتالي لا يحققون أرباحاً غير قانونية، ويصرّح أكثر من مسؤول في اتحاد المؤسسات التربوية الخاصة بأن كل مدرسة مخالفة سيُرفع عنها الغطاء… ولكن ذلك لا يخرج من سياق التصريح الاعلامي، إذ توجد أدلة متزايدة على أن الكثير من المدارس الخاصة يتلاعب بالميزانيات وحساباتها لجني أرباح غير مشروعة على حساب الأهل
يحقق معظم المدارس الخاصة أرباحاً لا يجيزها القانون، وهذه الارباح تأتي من زيادة الاقساط المدرسية وتكبيد أهالي التلاميذ أكلافاً ليست مستحقة على تعليم أولادهم وبناتهم. يحصل ذلك عبر تضخيم ميزانيات هذه المدارس ونفخها بأرقام ليست صحيحة وغير واقعية، وهو ما تثبته أي عملية تدقيق محاسبي لهذه الميزانيات.
منذ عامين، حصلنا على ملفات مدارس عدّة، وهي موقّعة ومختومة ومصادق عليها من «صندوق التعويضات لأفراد الهيئة التعليمية»، وبالتالي فإنّ الأرقام الواردة فيها هي أرقام مراقبة من مرجع رسمي، مع كشوفات الرواتب وساعات العمل والساعات الإضافية والشهادات وتاريخ البدء بالعمل. سنورد هنا ثلاثة نماذج تعود لمدارس مختلفة، وسنعمد الى إغفال أسمائها كونها تمثل عينة من مدارس كثيرة تقدّم ميزانيات مشكوك في صحتها. في هذه النماذج الثلاثة سنفنّد بيانات المعلمين/ات المرفقة مع الموازنات، بهدف تبيان الخلل المؤثر في أقساطها، وتبيان المسؤولية المشتركة عن التلاعب الحاصل فيها بين إدارة المدرسة وصندوق التعويضات ولجنة الأهل ومصلحة التعليم الخاص في وزارة التربية.
يفرض القانون أن يشكّل بند الرواتب نسبة 65% من الموازنة المدرسية، إلا أن هذه النماذج توضح كيف يجري نفخ هذا البند بنسب كبيرة، وهو ما يؤثر على باقي البنود، فتتضاعف الموازنة، وبالتالي القسط.
تقدم المدرسة مع موازنتها، التي ترفعها إلى وزارة التربية، بياناً مصدقاً من صندوق التعويضات بأسماء المعلمين في الملاك وخارجه والفئة وعدد السنوات والشهادة، وعليه يتحدد أساس الراتب، كما تقدم بياناً للوزارة بعدد ساعات المعلمين الأسبوعية في الملاك وساعات العمل الاضافي والتعاقد لتغطية ساعات التعليم والنظارة والاشراف والتنسيق.
من المفترض أن تتساوى ساعات العمل التي تقدمها المدرسة للوزارة، أو تتعدى بقليل الساعات القصوى للدوام الدراسي الأسبوعي؛ فإذا كان الدوام 7 ساعات يومياً، فهذا يعني أنّ ساعات التدريس القصوى الأسبوعية هي 35 ساعة. ولاحتساب عدد الحصص لكل المدرسة، نضرب 35 ساعة بعدد الشعب. هذه الفرضية البسيطة تؤدي الى نتائج مذهلة، إذ في هذه النماذج يتبين أن هناك ساعات تدريس أكثر بكثير من الواقع الفعلي، أي إن الأهل يسددون أجور ساعات عمل وهمية.
النموذج الاول: 1140 ساعة عمل زائدة
يجب إنقاص ساعات العمل للمنسّقين والمشرفين من مجموع الساعات بمعدل 30 ساعة لكل شخص، أي 28*30 ساعة عمل أسبوعية= 840 ساعة، فتكون حصيلة عدد الساعات الزائدة 1140 ساعة أسبوعياً، أي ما يقارب 43%، أو ما يعادل رواتب 45 معلماً ومعلمة يدفع الأهالي رواتبهم الكاملة ونفقاتهم وملحقات الرواتب والمكافآت، ولكن هذه الساعات لا وجود لها في برنامج التدريس الأسبوعي!
النموذج الثاني: إداري لكل 30 تلميذاً
الملفت في هذا النموذج أن كل 60 تلميذاً/ة لهم منسّق أو مشرف أو ناظر، وأنّ متوسط عدد التلامذة في الشعبة هو 22 تلميذاً/ة، أما عدد الإداريين فهو 29، أي لكل 30 تلميذاً/ة هناك إداري واحد.
إذاً يدفع الأهل هنا 377 ساعة إضافية أسبوعياً، أي رواتب 15 معلماً/ة، ولا مكان لها في الجدول الأسبوعي للتدريس.
النموذج الثالث: 15% ساعات وهمية
التأثير على الأقساط
يتكون بند «رواتب وأجور وملحقاتها» في الموازنة، بحسب القانون 515 /1996 الناظم للموازنات المدرسية، من:
1- رواتب أفراد الهيئة التعليمية في الملاك.
2- أجور الهيئة التعليمية من خارج الملاك.
3- بدل مهمات إضافية للداخلين في الملاك.
4- مكافآت ومساعدات للهيئة التعليمية.
5- أجور أفراد الهيئة الإدارية والمستخدمين، تضاف إليها نسبة 15% من مجموع 1 و2 و3 و4، على أن يشكل مجمل بند “الرواتب” ما نسبته 65% من مجمل الموازنة.
إذاً، في ظل تضخيم ساعات العمل تتضخم مكوّنات هذا البند 1 و2 و3 و4 ونسبة الـ15% المذكورة.
بحسب النموذج الأول، يُجبر الأهالي على دفع رواتب 45 معلماً/ة إضافياً، وهذا إما نتيجة سوء إدارة أو رفع وهمي لأرقام الموازنة. وفي كلتا الحالتين، فإن الأهل هم من يدفعون. في هذه الحالة يدفعون زيادة غير مستحقة قانوناً في الاقساط تقارب 810 ملايين ليرة سنوياً، من دون احتساب المكافآت ونسبة 15%. لقد سدّد الأهالي في هذه المدرسة أقساطاً بقيمة 5 مليارات ليرة بدلاً من 3.7 مليارات ليرة، فيكون القسط المستحق 4 ملايين ليرة لبنانية للتلميذ بدلاً من 5.5 ملايين ليرة، فقط إذا ما أخذنا في الاعتبار التدقيق في بيانات صندوق التعويضات ومن دون البحث في البنود الأخرى.
يبقى السؤال، هل سيقوم صندوق التعويضات مع مصلحة التعليم الخاص بوضع آليات لكشف تضخيم بعض الموازنات المدرسية بشكل علمي؟
* باحث في التربية والفنون وعضو هيئة تنسيق لجان الأهل وأولياء الأمور في المدارس الخاصة