IMLebanon

طريق أرتساخ وجبل طابور تمرّ بـ”طور” لبنان

 

سيفر، بلدة صغيرة في الضاحية الجنوبيّة للعاصمة الفرنسيّة باريس، تشتهر بصناعة البورسولان، وتشتهر بكونها المكان الذي وقّعت فيه معاهدة 10 آب 1920، التي هي واحدة من سلسلة معاهدات وقعتها دول المركز بعد هزيمتها في الحرب العالمية الأولى.

 

وقد كانت مصادقة الدولة العثمانية على معاهدة “سيفر” المسمار الأخير في نعشها، وتضمنت تلك المعاهدة التخلي عن جميع أراضيها التي يقطنها غير الناطقين باللغة التركية، وقُسمت بلدان الشرق الأدنى حيث أخضعت فلسطين للانتداب البريطاني ولبنان وسوريا للانتداب الفرنسي.

 

وقد نصّت اتفاقيّة “سيفر” على توسيع حدود الجمهوريّة الأرمنيّة الأولى التي نشأت بعد “معاهدة باتومي” من مساحة 11 ألف كلم مربّع، الى 160 ألف كلم مربّع، وبات لها منفذ على البحر (ميناء طرابزون)، وأصبحت تُعرف بـ”أرمينيا الويلسونيّة” نسبة للرئيس الأميركي الدّيمقراطي وودرو ويلسون الذي رسم هذه الحدود.

 

وقد كان معظم قادة الجمهوريّة الأرمنيّة الأولى من الإتحاد الثوري الأرمني او “حزب الطاشناق”، إلا أن العمل بموجب هذه المعاهدة استمر ثلاث سنوات فقط، حيث قامت حرب الاستقلال التركية التي نتج عنها توقيع معاهَدتي “كارس” 1921 و”لوزان” عام 1923 والتي أنهت العمل بموجب بنود معاهدة “سيفر”. واقتطعت الكثير من الأراضي الأرمنيّة التي تقاسمها السوفيات والأتراك.

 

كما تم توقيع “البروتوكول” السرّي في 24 تشرين الأول 1956، بين حكومات فرنسا وبريطانيا واسرائيل لتنظيم ردّ عسكري-جيوسياسي مشترك على عمليّة تأميم قناة السّويس من قبل جمال عبد النّاصر. ومهّد هذا البروتوكول لإطلاق العدوان الثلاثي على مصر.

 

وقد اقترح رئيس الوزراء الإسرائيلي حينها “دايفد بن غوريون” انشاء قناة موازية لقناة السّويس من ايلات في خليج العقبة الى أشدود على البحر المتوسّط، غير أن العوامل الجيو-سياسيّة في حينها حالت دون ذلك.

 

لقد أبرمت حرب السويس نتائج الحرب العالمية الثانية، فأفل نجم بريطانيا وفرنسا كقوى استعمارية تقليدية، وفقدتا تباعاً قواعدهما ودورهما كقوى عظمى في الشرق الأوسط وأصبحت الولايات المتحدة تلعب منفردة على الساحة الدولية دور حارس المصالح الغربية في الشرق الأوسط، توزّع الأدوار على الدّول الإقليميّة وتحدد شروط اللّعبة.

 

في 5 أيلول 2019، أعلنت سيّدة تُدعى نادرة ناصيف قيام مملكة “الجبل الأصفر”، على أراض تقع شمال السودان على الحدود المصرية، تندرج تحت وصف “الأرض المباحة” التي لا يطالب بها أي طرف، ولا تقع تحت سيادة أي دولة.

 

“الرؤية الوطنية” للمملكة تهدف إلى بناء دولة نموذجية، من أجل توطين عديمي الجنسية، واللاجئين والمهاجرين، وتأمين الحياة الكريمة لهم بعد الويلات التي عانوها في ظل التهجير القسري والحروب ومآسي عشرات الملايين من اللاجئين حول العالم، وبخاصة من المنطقة العربية.

 

وقد اعتبر الكثيرون أن قيام هذه “المملكة” يأتي ضمن شروط “صفقة القرن” لحلّ الأزمة الديمغرافيّة للشتات الفلسطيني، علماً انّ في أيار من عام 2017 كانت ناصيف واحدة من الشخصيات التي روّجت لرؤية ولي العهد السعودي بن سلمان 2030.

 

بعد ذلك بسنة تقريباً، اعتقلت القوات السعوديّة على أراضيها أشخاصاً يحملون جنسيّة “مملكة الجبل الأصفر”، وبالتزامن “فرضت” مصر سيطرتها العسكريّة على المملكة المذكورة.

 

وعند توقيع السّيسي اتفاقيّ نقل السيادة على جزيرتي تيران وصنافير للسعوديّة، وبعد تحوّل ممر تيران لممر دولي، أعلنت اسرئيل في آذار 2021 بدأ العمل بحفر قناة بن غوريون بعد حادثة سفينة “ايفيرغرين” التي “أعاقت الملاحة العالميّة، وبدأ العالم بالحديث عن بديل لقناة السّويس.

 

فما الذي تغيّر من خمسينات القرن الفائت الى اليوم؟

 

في خمسينات القرن الفائت، كانت أغلب الدول العربيّة والإسلاميّة على عداء مع اسرائيل. أمّا اليوم، فاتفاقيات السّلام تسير على قدم وساق، ولي العهد السّعودي أطلق رؤية 2030، ومعها أطلق مشروع “نيوم” على شاطئ البحر الأحمر، المشروع السعودي الأضخم، أول مدينة رأسمالية في العالم، تمتد بين 3 دول “السعودية والأردن ومصر” باستثمارات نصف تريليون دولار بدعم من صندوق الإستثمارات العامة. والحديث أصبح عن مجتمع شرق-أوسطي ليس فقط عربي.

 

شَكلُ حكومة دولة اسرائيل قد تغيّر أيضاً، فبعد أن كان ليبيرمان اليهودي-السوفياتي بيضة القبّان في حكومات نتنياهو، اصبحت القائمة الموحّدة ومنصور عبّاس (نائب رئيس الحركة الإسلاميّة) ركن الإئتلاف الحكومي الجديد. ونفتالي بينيت، هو نفسه غير نتنياهو، رجل أعمال ومستثمر ناجح في التكنولوجيا الحديثة، تَوسّعي بامتياز، يعتقد أن الإسرائيليين المتدينين واليمينيين هم الأغلبية الصامتة، وأصواتهم تعوقها النخب اليسارية في وسائل الإعلام والمحاكم والأوساط الأكاديمية. يفضّل المستوطنات المُجتمعيّة التعاونيّة على المستوطنات التقليديّة الصهيونيّة-الماركسيّة (الكيبوتز).

 

اذاً، كلّ الشروط تسمح اليوم بحفر قناة بن غوريون، على شكل قناتين مستقلتين، حيث تصبح الملاحة بالإتجاهين، أما مدة البناء فستكون 5 سنوات. هذا المشروع سيُخفض مدخول مصر من 10 مليارات دولار إلى 4 مليارات، حيث ستنال “إسرائيل” الـ 6 مليارات دولار. مع امكانيّة وصل البحر الأحمر بالبحر الميت، وقيام سياحة “إسرائيلية” – أردنية مشتركة في منطقة البحر الميت، تساعد الأردن اقتصاديَّاً، وهو بأمس الحاجة إلى دعم مالي.

 

امّا عن الدور الإيراني في القضيّتين الأرمنيّة والفلسطينيّة، فيبدو انّه بعد اغتيال قاسم سليماني بدأت ايران باستيراد الثورة بدل تصديرها، وها هي الأهواز (عربستان) اليوم تثور ظاهريَّاً ثورة العطش، إنما فعليّاً ثورة اتنية-طائفيّة، تعكس عمق المشكلة التعدديّة في ايران. نضيف الى ذلك الإنسحاب الأميركي من افغانستان، الأمر الذي فتح شهيّة ايران وتركيا على حدّ سواء في ملء الفراغ.

 

ففي الوقت الحالي، يبدو أنّ طهران تدرس ثلاثة خيارات رئيسية لتجنب زعزعة الاستقرار الخطيرة في أفغانستان وتعزيز مصالحها هناك، فإمّا ان تدعم سيطرة طالبان سراً أو علناً مع التوصل إلى اتفاقيات تكتيكية واستراتيجية مع الحركة من أجل احتواء أنشطتها، أو ان تشن حرباً بالوكالة (بواسطة لواء الفاطميّين) ضدها، أو أن تتدخل مباشرة.

 

فإذا أرادت طهران تطبيق النموذج السوري أو العراقي في أفغانستان، لإنشاء ملاذ آمن للشيعة في محافظة هرات وأماكن أخرى. يمكن أن تؤدي هذه الاستراتيجية الى خَلق قوة عسكرية قوية تدعمها إيران بالتوازي مع قوات الأمن الأفغانية، كما حصل مع الحشد الشعبي في العراق. لذلك، يجب مراقبة أي عملية نقل لقوات لواء “الفاطميون” من سوريا إلى أفغانستان عن كثب.

 

المؤكد أنّ محاولة توسيع النفوذ الإيراني في أفغانستان قد تسحب الأموال والموارد من العمليات الإقليمية الأخرى للنظام كلبنان وغزّة.

 

من يعرف التاريخ جيّداً، يعرف أنّ دخول أفغانستان ليس كالخروج منها، فهل ستكون أفغانستان بداية نهاية الإسلام الثوري بشقّيه التركي والإيراني؟ وهل الإسلام الثوري هو الرجل المريض في القرن الواحد والعشرين؟

 

الأكيد والثابت أنّ الفاتيكان قد فتح باب المسألة الشرقيّة على مصراعيه من جديد انطلاقاً من قضيّة لبنان.

 

حلّ القضيّة الفلسطينيّة يبدأ من هنا، مع طرح البطريركيّة المارونيّة عَقد مؤتمر دولي خاص بلبنان يسعى الى تنفيذ قرارات الامم المتحدة وقبول الحياد وحلّ قضيّة اللجوء الفلسطيني وتحويل “الشّتات” الفلسطيني الى اغتراب فاعل ووازن، يعمل في دول القرار على تحقيق القدر الأكبر من المكاسب في حلّ الدولتين، ويُحوّل الداخل الفلسطيني من مجتمع ريعي الى مجتمع منتج، علماً أنّ احد مراكز الأبحاث قد عرض على الرئيس عبّاس إعطاء اللاجئين الفلسطينيين جوازات سفر فلسطينيّة.

 

أمّا بالنسبة للقضية الأرمنيّة، فالحل اليوم يَكمن في يد المؤسسة الكنسيّة، أو في يد حزب الطاشناق الذي متى عاد الى أصله الثّوري، يستطيع قلب موازين القوى من جديد، فـ”باشينيان” ليس الحاكم بأمر الله، وما يحصل اليوم من حروب في ارتساخ هدفها “اقتياد” باشينيان ذليلاً الى المفاوضات. رياح التغيير موجودة، اللوبي الأرمني في أميركا موجود، والرئيس الحالي ديمقراطي، فهل سيستفيد الأرمن من اعادة رسم الخرائط في اذربيجان الشرقيّة وتركيا، أم انّ الفرصة ستضيع الى الأبد؟ الأيام وحدها كفيلة بالإجابة.