عندما أعلن الرئيس نبيه بري استعداده لإطلاق دعوة للحوار في العاشر من أيلول الجاري، داهمني إحساسٌ بأنّنا عشية 14 شباط العام 2006، فالرئيس بري بنفسه قال أن حوار أيلول العام 2015 «لا يختلف من حيث الشكل عن حوار عام 2006 ولكنه مختلف المضمون»، لذا ما أشبه اليوم بالأمس، يومها أيضاً سارع الرئيس نبيه بري للملمة الشارع اللبناني و»ضبّه» على طاولة حوار ذات عناوين أربعة ولاحقاً سقطت كلّ الاتفاقات التي تمّ التوصّل إليها في 12 تموز العام 2006 عندما أخذ حزب الله لبنان إلى حرب طاحنة ظنّ أنّ سقفها سيكون ضرب جسور كثيرة وبعض قرى الجنوب، ثمّ قيلت «القَوْلَة»الشهيرة: «لو كنتُ أعلم»!!
لا أقول هذا من باب «التشائم»، ولا من باب المعرفة بخيباتنا المتكرّرة من أنّ كلّ «مبادرات» الرئيس بري عندما انتهت مدة صلاحيّتها لم تكن أكثر من «مناورة» لتقطيع الوقت، ولا يسمح وضع لبنان اليوم «حواراً» بل يحتاج إلى «حلول»، ونظرة على عناوين الحوار التي حدّدها قرّر الرئيس بري كالعادة أن يُحدّدها بنفسه، و»جدول الحصص» الذي وزّعه ناظر الحوار، هو»البحث برئاسة الجمهورية»، وهنا المصيبة الكبرى، فالأمر لا يحتاج أبداً إلى حوار حول «رئاسة الجمهوريّة» بل يحتاج إلى أن يتفضّل نواب حزب الله حليف الرئيس بري ونواب حليف حليفه، ويكفّوا عن تعطيل نصاب جلسة الانتخاب ولتنعقد جلسة لانتخاب رئيس للبنان، انتخاب الرئيس لا يحتاج إلى حوار، أما القول بأن الحوار حول «رئاسة الجمهوريّة» فهذا يوحي بأنّ الأمور فيها وما فيها!!
والسؤال الذي يطرح نفسه، لماذا «كبّ» كلّ هذه العناوين الكبرى عن «ماهية قانون الانتخابات النيابية»، و»قانون استعادة الجنسية»، و»عمل مجلس النواب ومجلس الوزراء»، و»مشروع اللامركزية الادارية»، و»دعم وتسليح الجيش»، هذه عناوين تحتاج إلى حوار لمدّة أشهر، فهذه الفضفضة في عناوين الحوار تؤكّد أنّه «جرّة رجل» أو «جسر عبور» ومدخل للوصول إلى «المؤتمر التأسيسي»!!
المحزن الوحيد في هذا الأمر، وأنه تحت عنوان عدم قدرة أيّ فريق سياسي لرفض أي «دعوة» للحوار، سارعت القيادات السياسية للقبول بهذه المبادرة، والسؤال الذي يطرح نفسه: هل لو أبدى أي فريق سياسي ملاحظة على أحد من هذه العناوين، وأنّ الوقت اللبناني شديد الضيق والمطلوب حلول فوريّة، قبل أن تنفجر الشوارع بوجه بعضها البعض!!
أكثر من أي وقت مضى أشعر بالتشاؤم من حال لبنان، لأنّ المراهنة ما زالت مستمرة على «الاتفاق الإيراني النووي»، وما أظنّ هذا الحوار إلا تقنيّة لاستمرار تضييع الوقت، إلى حين انجلاء الوضع الإيراني إقليمياً ودولياً، مع «عيّنات» رسائل شغب عن القدرة والنيّة الموجودة لإحراق قلب العاصمة بيروت بمنتهى الحقد والكراهيّة في لحظة فوضى عارمة من مجموعات تفرخّ كما الفطر السام تحت «رعاية إعلاميّة» تتسابق لتسويقها، والسؤال الذي يرح نفسه: من يموّل هذه الحملات؟! هل يملك أحد جواباً ما؟!