اليوم عيده. يستحيل التعامل مع هذا اليوم الوطني الكبير وكأنه مجرّد مناسبة عادية في هذا الوطن الصغير المعذّب. الجيش هو آخر أعمدة هذا الوطن… والهيكل واقف لأن الجيش واقف.
هذا ليس تنظيراً، ولا هو كلام يلقى على عواهنه إعتباطاً. إنه حقيقة ملموسة.
تعالوا نتصوّر لبنان من دون جيش (لا سمح اللّه).
تعالوا نبدأ المشوار من الناقورة الى النهر الكبير، ومن فقش الموج الى مرمى الثلج مروراً بالخط الأزرق جنوباً ومخيم عين الحلوة (وظاهرة الشيخ أحمد الأسير) ورأس بعلبك وعرسال والقاع، وباب التبانة وجبل محسن، ونهر البارد، وجرود عكار، والكثير مما لم نذكر في هذه العجالة… فكيف كانت الحال لتكون في كل من تلك المناطق وإنعكاسها على سائر الأراضي اللبنانية، وعلى الكيان اللبناني… لولا الجيش.
قُدّر لي أو أرافق إعادة بناء الجيش في مطلع التسعينات. في ما بعد مرحلة الحروب المتناسلة حروباً… والمدهش تلك السرعة التي إستعاد بها هذا الجيش وحدته من خلال مشروع دمج الألوية الذي عمل عليه الجنرال إميل لحود مع وزير الدفاع نائب رئيس مجلس الوزراء، آنذاك، الرئيس ميشال المر. ودلّت السرعة في تنفيذ الدمج، بالرغم من كل ما كان الجيش يعانيه، على أن الوحدة كانت في قلب كل ضابط ورتيب وعسكري.
ومن اليوم الأول للدمج نفذ الجيش عمليات مهمة في غير منطقة وامتزجت دماء شهدائه، من الأطياف الوطنية كافة، في المهمة الواحدة.
في تلك المرحلة كنت مستشاراً للرئيس المر، مشرفاً على كل كلمة تصدر عن وزارة الدفاع وقيادة الجيش. بياناً أو خبراً، أو معلومة، أو بلاغاً، بما في ذلك المحكمة العسكرية، والمستشفى العسكري والمخابرات، ومديرية التوجيه (…).
وكذلك كنت أدرّس الضباط من مختلف الرتب في المدرسة الحربية (مادة السياسة ومادة الإعلام) وأيضاً كنت رئيساً لتحرير مجلة «الجيش»التي كنا نطبع منها 80 ألف نسخة! … ومع ذلك أريد أن اعترف بأنني تعلمت من الجيش… كنت تلميذاً في هذه المؤسسة المدرسة الوطنية الكبرى. وما زلت حتى اليوم أتمنى لو يتعلم أهل السياسة، كلهم من الجيش، بدلاً من أن يتدخلوا في شؤونه ويحاولوا أن يفرضوا عليه ما في نهج الكثيرين منهم كما هو معروف من فوضى وفساد ولا مسؤولية… وفي بعضهم من لا وطنية أيضاً…
تعلمت من الجيش إحترام الوقت. والتزام الواجب. وتنفيذ المهام.
تعلمت من الجيش الإنضباط واحترام الذات عبر إحترام الآخر.
تعلمت من الجيش التضحية التي هي بلا حدود في سبيل وطن لا حدود لتاريخه ويجب ألا تكون حدود أمام مستقبله.
تعلمت من الجيش أن لبنان أولا وأخيراً. وأن لا ولاء إلاّ للوطن.
تعلمت من الجيش أن اللبناني «الآخر» غير موجود… فهناك أخ في الوطنية نلبي، معاً، نداء الواجب.
تعلمت من الجيش أن الوطن هو الينبوع الذي ننهل منه، والظل الذي نفيء إليه، والأمان الذي نطمح اليه، واليد التي تحمي وتعمر، والتضحية في أسمى ذروة (بالمهج والأرواح) من غير منة…
ويا جيش لبنان. أنت دائماً على حق، واردّد قولي المزمن فيك: «إذا كانت الجيوش ضرورة للأوطان فالجيش هو قدر لبنان».