لم يكن قائد «اليونيفيل» يوماً مرتاحاً إلى التطورات الأمنية في منطقة جنوب الليطاني بمقدار ما هو مطمئنّ اليوم، فكلّ المؤشرات توحي بالهدوء. إذ إنّ قواعد الإشتباك التي رسَمت حدود العلاقة بين هذه القوات والأطراف الأخرى، محتَرمة من لبنان واسرائيل والجنوبيين، ولن يكون هناك أيّ تأثير لما تعيشه المنطقة في دور «اليونيفيل» ومهمّتها. فكيف ثبًت ذلك؟
قبل أن يجول القائد العام لـ«اليونيفيل» اللواء لوتشيانو بورتولانو أمس على كلٍّ من رئيس مجلس النواب نبيه برّي ورئيس الحكومة تمام سلام، كان قد التقى أمس الأول كبار الضباط اللبنانيين والإسرائيليين، أعضاء اللجنة الثلاثية المشتركة في الناقورة، مستعرضاً في إجتماع تقويمي روتيني التطورات على الساحة الجنوبية.
للمرّة الأولى، وإلى الإشكالات اليومية على طول الخط الأزرق التي تطرحها الأمم المتحدة على الجانبين اللبناني والإسرائيلي، حاول الجانب الإسرائيلي أن يُضيف بنداً على جدول الأعمال يتعلّق بأحداث سفح جبل الشيخ امتداداً الى مثّلث الحدود اللبنانية – السورية – الفلسطينية المحتلة في أطراف مزارع شبعا، وأطراف الغجر.
فرفض الجانب اللبناني الطرح باعتبار أنّ المنطقة التي تشهد معارك ما زالت ضمن الأراضي السورية، وأنّ لبنان لا يعنيه ما يحدث هناك سوى في اللحظة التي يتهدّد فيها أمن الأراضي اللبنانية وسلامتها، جراء الإنعكاسات التي تُخلّفها هذه الإشتباكات، وهذه المنطقة بالتالي هي منطقة حدودية لبنانية – سورية، ولا شريك لأيّ طرف آخر فيها، ولذلك فإنّ الجانب الإسرائيلي غير معني بالأمر.
وقال الجانب اللبناني إنّه وفي حال توسّعت رقعة التوتر في المقلب السوري لتلامس الحدود السورية – الفلسطينية المحتلة، تصبح في عهدة فريق مراقبي الهدنة السورية – الإسرائيلية «الأندوف»، عندها لن يكون المجتعمون في الناقورة معنيّين بما يحصل هناك.
على هذه الخلفية، قالت مصادر أمنية لبنانية ودولية إنّ الجانب الدولي تبنّى القراءة اللبنانية وصرَف النظر عن الموضوع، وانتهى الإجتماع الى تأكيد الجانب الدولي أنّه تلقى ما يكفي من ضمانات، للوثوق بأنّ الأمن والإستقرار متوافران على طول الحدود اللبنانية – الإسرائيلية، بتعهّدات ملزمة من كلّ الأطراف.
وبناءً على ما تقدم، ظهر للمصادر عينها أنّ قوات «اليونيفيل» بمختلف قواها الأساسية، خصوصاً الأوروبية الفاعلة منها: الإيطاليون، الفرنسيون والأسبان، مطمئنون الى سلامة المهمة وأمن قواتهم، أينما تجوّلوا في الجنوب اللبناني، فليس هناك ما يُهدّد أمنهم. أما النازحون السوريون الذين هدّدوا امن القوات الدولية قبل عامين فباتوا في موقع آخر، ومعهم انصار «حزب الله»… وتغيّرت قواعد الإشتباك في المنطقة.
وبعد التهديدات التي تعرّضت لها القوات الدولية قبل عامين تزامناً مع الإستعدادات الأميركية لضرب دمشق، تحوّلت «اليونيفيل» بمختلف قواها بين ليلة وضحاها رهينة انصار «حزب الله» والأحزاب الحليفة لسوريا وبلغت التهديدات العلنية ذروتها.
أما اليوم، فهناك قواعد جديدة للعملية الأمنية. إذ إنّ الحلف الدولي الذي نشأ ضدّ «داعش» وضع أطرافه ومنها دول تشارك في «اليونيفيل»، في موقع الصديق لحلفاء سوريا، وهي وإن لم تنسق مع النظام ولم تعترف له بأيّ دور في المواجهة، إلّا أنّ التطورات وضعت الجميع في خندق واحد.
فالنظام السوري وحلفاؤه وعلى رغم تشكيكهم في قدرات الحلف في القضاء على «داعش»، رأوا فيه سنداً لهم شاءَ مَن شاء وأبى مَن أبى. الوقائع تكذب المواقف ولا حاجة لدلائل كثيرة.
والى هذه الوقائع، تترقب المصادر الأمنية والديبلوماسية مزيداً من الإستقرار في الجنوب على وقع ما تركته السياسات الإجتماعية والثقافية والتنموية والطبية والإستشفائية التي باتت تتّبعها القوات الدولية للجنوبيين، وهي مستعدّة للتخلّي عن جزء كبير من خدمات الحكومة اللبنانية.
والى هذه الضمانات التي تُعزّز أمن القوات الدولية، لا يبدو أنّ الجنوبيين مستعدون لأيّ مواجهة مع إسرائيل في ظلّ إستعدادات القرى الجنوبية لإستقبال مزيد من القتلى جراء المعارك في سوريا، وبالتالي من المؤكد أن لا الحزب ولا إسرائيل في وارد البحث عن متاعب إضافية في جبهة الجنوب. ولذلك تعترف المصادر: «طالما أنّ القوات الدولية بخير… فإنّ لبنان بخير».