سواء تمكن لبنان من الحصول على القروض المقررة في مؤتمر «سيدر» – بغض النظر عن الاشتراطات والاملاءات الغربية والاميركية – وان لم يتمكن لبنان من الحصول عليها، او حصل على جزء من القروض المقررة، بانقاذ لبنان مما بلغه من «حافة الهاوية» على المستويات الاقتصادية والمالية والحياتية والاجتماعية يفترض من الحكومة اولاً ومجلس النواب ثانياً، كما يقول خبير اقتصادي، عدم التلكؤ في اتخاذ جملة واسعة من الاجراءات والخطوات، بل ان ما وصلت اليه البلاد من خطر الانهيار الشامل، فهذه القروض الـ 12 مليار دولار في حال حصل لبنان عليها بكاملها غير كافية للانقاذ الاقتصادي والمالي والحياتي، حتى ولو حصل التنفيذ بأعلى درجات الشفافية.
بداية، يلاحظ الخبير الاقتصادي المطلع – انطلاقاً مما كشف عنه حول شروط قروض «سيدر» وصعوبات تسييلها – ان ما يحكى ايضا عن خطة ماكينزي التي اعدتها الشركة المذكورة في عهد الحكومة السابقة الا تختلف في التوجهات الكبرى التي اقترحها عن شروط «سيدر»، من الدعوة الى خصخصة عدد من القطاعات والخدمات الاساسية التي يعتبر بعضها مثل قطاع الخليوي «نفط لبنان اليوم» نظراً للمبالغ الضخمة التي تجنيها الخزينة من هذا القطاع، على الرغم من الهدر الكبير في اداء شركتي الخليوي والتوظيفات التي جرى الكشف عنها مؤخراً لمحسوبيات سياسية في خلال الحكومة السابقة الى الكهرباء، والدعوة لتخفيض اجور القطاع العام وصرف فئات واسعة من الخدمة، الى فرض الضرائب، بدءاً من رفع القيمة المضافة، الى تحرير رأس المال لمصلحة كبار المتمولين والمصارف.
لكن الخبير الاقتصادي يشير الى بعض التوجهات الايجابية في خطة ماكينزي تتعلق بتنشيط الصناعة والزراعة والسياحة، رغم التشجيع بأشكال مختلفة على هجرة اللبنانيين الى الخارج.
ولذلك يتحدث الخبير الاقتصادي عن مجموعة اجراءات وخطوات لا تحتاج الى وقت طويل، او الى معالجات قد تمتد لعدد من السنوات، على الحكومة ومجلس النواب المسارعة الى بتها واقرارها اهمها الاتي:
– في وقت لا تخلو اي ادارة او وزارة من هدر في المال العام ولو بنسب مختلفة، هناك امكانية لاتخاذ العديد من الاجراءات تتناول آليات ادارة الدولة والصلاحيات المعطاة لكبار الموظفين، ان كانت هناك صعوبة في اعتماد الشفافية بعمل كثير من الوزراء، على اعتبار ان هذا الامر يشكل احد المداخل المطلوبة لاعتماد الشفافية في ادارة اموال الدولة، والحد من التصرف بمخصصات الادارات والوزارات في اتجاهات غير ذي فائدة:
– ضرورة اعادة النظر في النظام الضريبي الذي يساوي بين كبار المتمولين والاثرياء وبين ذوي الدخل المحدود، من خلال اعتماد الضريبة التقاعدية الى الحد من التهرب الضريبي خاصة في قطاعات العقارات والاستيراد.
– وقف مزاريب الهدر السياسي ومن جانب الذين يستمرون في تضخيم ثرواتهم على حساب المال العام، ومنها مثلاً ما يحصل في وزارتي الشؤون والصحة، (المدارس والمحاسبة وغير ذلك)، الموازنات السرية او التنفيعات والصفقات، فرئيس لجنة العدل النيابية النائب جورج عدوان استغرب مؤخراً كيف نذهب نحو الاقتراض وهناك امكانية لتوفير مبالغ ضخمة من الهدر في الدولة.
– اقرار مشاريع القوانين التي تؤمن استقلالية القضاء، والهيئات الاخرى المعنية بمراقبة عمل ادارات الدولة، بخاصة ديوان المحاسبة بما يتيح لكل هذه الهيئات التحرك بحرية بعيداً عن الضغوط السياسية، وبعيداً عن «مراعاة» البعض لمصالح الجهات السياسية الداعمة لهؤلاء، وكذلك اخراج ملف التعيينات الادارية بكامله من المحاصصة السياسية، بحيث تحصل من خلال الآليات التي اقرت سابقاً وتعطي مجلس الخدمة المدنية الحق في اختيار الاكفاء، دون الوقوف عند تقاسم للحصص بين فرقاء الحكومة.
ولذلك، يقول الخبير الاقتصادي، انه بعد انجاز هذه الخطوات والتشريعات الى جانب اجراءات اخرى تتعلق بمحاسبة المرتكبين والذين «جنوا» ثروات من خلال «مدّ اليد» الى المال العام، يمكن الانطلاق نحو اجراءات اوسع واشمل لتنشيط القطاعات المنتجة من صناعة وزراعة، ومسائل اخرى مثل تمرير استيراد كثير من السلع الاساسية مثل الادوية وغيرها.
كما يشير الخبير المذكور الى اهمية تزامن هذا التوجه، مع توافق سياسي على مستوى مكونات الحكومة يتيح الاسراع في عملية التنقيب عن النفط والغاز، واقرار الجميع بحاجة لبنان مالياً واقتصادياً بعيداً عن اي اعتبارات سياسية الى عودة النازحين السوريين الى بلدهم، ما يفترض دعم توجه رئيس الجمهورية في هذا السياق، على اعتبار ان عودة النازحين تخفف اعباء ضخمة عن الاقتصاد والمالية العامة، كما ان المشاركة للاستفادة من الثروة النفطية يمكن لبنان من بدء تسديد ديونه والتخفيف تدريجاً من خدمة هذا الدين.