لم يعد مهماً إعلان وفاة رستم غزالي، فقد أخرج من «آلة القتل الأسدية«. أيضاً لم يعد مهماً إلا من باب الحشرية والتسلية، كيف طحنت عظامه تحت أقدام جنود النظام.
تتعدد الروايات حول أسباب ما حصل له، منها أنه اختلف مع لواء يماثله رتبة وموقعاً أكثر أو أقل، حول مجريات آلة القتل ضد الفقراء والمقاتلين، وكان ما كان. ومنها أنه حقن بفيروس قاتل بطيء التأثير. ومنها أنه وهو الذي اعتاد على إهانة الجميع في لبنان وسوريا، زلّ لسانه أمام نظيره اللواء شحادة وهو العلوي، فأخرج «شياطين« المواقف العنصرية ضد العلويين، فجرى استدعاؤه الى مكتب العقيد ماهر الاسد فنال ما يستحقه من التأديب ثم ثلاث رصاصات يبدو انها لم تكن كافية لموته ودفنه بسرعة كما حصل مع رئيسه السابق الجنرال غازي كنعان. حتى هذه الرواية يمكن شطبها ويمكن تأكيدها لأن لا شيء ممنوعاً ولا مستحيلاً في «جمهورية الخوف» التي يقودها في الليل العقيد ماهر الاسد وفي النهار الرئيس بشار الأسد.
رغم ذلك يوجد في كل الروايات، أمران يستحقان الانتباه، الأول أن النظام الاسدي «يأكل صغاره» في كل مرة يجد أن دواعي وأسباب بقائه وأمنه أهم بكثير من أي واحد من فاعليه. الثاني أن المصادفات وما أكثرها تقع في كل مرة تقترب فيها حقيقة وقائع وأطراف جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري من الاحتكاك بدور مفترض لـ «جمهورية الخوف» في اغتياله. ذلك أن الجنرال رستم غزالي، تحول في وقائع المحكمة الدولية الى عَلمٍ لا يمكن تجاهله حالياً ولاحقاً.
أيضاً وهو مهم جداً، أن هذا التطور، ظهر وتبلور، في لحظة دقيقة من مسارات الحرب والتفاوض في سوريا وحولها. إعلان واشنطن أن الحل في سوريا يتطلب التفاوض مع الأسد أو مع النظام بعد التحفظ عن الصيغة الاولى، يعني ان سياسة العرض والطلب أصبحت مساراً قائماً بحد ذاته. من الطبيعي جداً أن لا يتبلور وأن لا يَنتُج عنه طاولة مستديرة فوراً. لكن العرض الأميركي وضع أمام إيران في عز المفاوضات الماراتونية في لوزان، وأمام «قيصر» موسكو الذي يعاني من أذى «الشوكة» الأوكرانية في حلقه.
إيران هي الأساس. المفاوضات لم تعد عملياً بين مجموعة الخمسة+ واحداً وإيران. لقد أصبحت أميركية إيرانية. لا أحد يصدق ان مثل هذه المفاوضات الثنائية مقتصرة على الأمور التقنية النووية. في كليها مستقبل منطقة الشرق الأوسط. كررت إيران وتعمل على تأكيد ما تقوله بالصور الميدانية والممارسات العملية، إنها موجودة في أربع عواصم عربية وأنها تمسك بجزء أساسي من قراراتها. طرح مستقبل سوريا والنظام في هذا التوقيت، عملية استطلاع ميدانية لردود الفعل وتظهير ما يناسب واشنطن منها أمام طهران أولاً وموسكو ثانياً. العرض الأميركي أظهر أن بقاء الاسد غير مقبول حتى من حلفائها الاوروبيين خصوصاً فرنسا وبريطانيا، وطبعاً العرب. فكيف سترد طهران على العرض وردود الفعل عليه؟
إسقاط طائرة الاستطلاع الأميركية فوق سوريا قد يكون إيرانياً أو روسياً أو الاثنين معاً. موسكو تريد بالواسطة أن تقول لواشنطن نحن هنا لا تنسونا. أما الأسد فقد كرر استخدامه لغاز الكلور ليؤكد للأميركيين والأوروبيين انه لن يتراجع ولن يتوانى عن استعمال كل ما يملك لتأكيد موقعه في المفاوضات على مستقبله.
المفاوضات النووية تكاد تنتهي، لأن نجاحها حاجة للأميركيين والإيرانيين على السواء. باراك أوباما، يريد هذا الاتفاق، حتى يحفظ لنفسه موقعاً في تاريخ الرؤساء الأميركيين. عملياً فشل في كل سياسته الخارجية. لا يكفي الرئيس الأميركي تسجيل نجاحات داخلية، فهذه تهم الأميركيين، المهم بالنسبة للعالم ما يسجله في الكتاب الذهبي الدولي.
آية الله علي خامنئي يريد النجاح لأنه حاجة داخلية إيرانية. الإيرانيون يحبون أميركا والبزنس، وهذه فرصة تاريخية للولي الفقيه للدخول الى قلوب الشعب الإيراني، خصوصاً أنه لم يعد لديه الوقت الكثير لاختبارات النجاح والفشل.
يبقى «داعش» وحربه المفتوحة ضد العالم. أوباما اتهم ضمناً الرئيس جورج بوش بإنتاج «داعش» بسبب فشل سياساته في العراق. فماذا عن الفشل في مواجهة سوريا والأسد الذي أصبح استعمال السلاح الكيماوي مثل الكلور عنده عادة؟
الفشل في سوريا، سيجعل من «داعش» بداية لدواعش ظلامية أخطر وأكثر وحشية. الإدارة الأوبامية بدأت تدرك وتلمس ذلك. فماذا ستفعل لمواجهة هذا الخطر المحدق مع استمرار الحرب ضد الشعب السوري حيث إيران وروسيا شريكتان فيه؟