IMLebanon

أشرف ريفي !welcome to the club

نصر اللواء أشرف ريفي كبير، لكنه ليس آخر الدنيا بالنسبة إلى أعضاء «النادي الطرابلسي الرباعيّ» المقفل منذ سنوات. يستقبل النادي اليوم لاعباً جديداً أثبت وجوده في الملعب، لكنه لا يلتزم كثيراً شروط اللعبة وأوامر الحكام

لم يترك الرئيس نجيب ميقاتي والوزير محمد الصفدي وتيار المستقبل، منذ عشر سنوات، مناسبة للقول إن ثمن المواطن في طرابلس مئة دولار، يدفعونها فيفوزون في الانتخابات. كانوا يعتلون المنابر ويتحدثون مع الجموع بوصفها قطعاناً يقودونها كما يشاؤون.

يدعونها إلى الغضب فتغضب، يعبسون فتعبس، ويهاجمون فتهجم. يسقط عشرات القتلى، لكنهم يبتسمون فتبتسم ويهادنون فتهادن. ثمن الخروف أربعمئة دولار والحمار ألف دولار، فيما ثمن المواطن الطرابلسي مئة دولار، كانوا يقولون في شققهم الفخمة ضاحكين. عملوا بشتى الوسائل لإظهار طرابلس قنبلة موقوتة يمكن أن تنفجر في وجه الجميع في حال سحب الرئيس سعد الحريري صاعق التفجير، وكانوا يقولون أيضاً إن اللواء أشرف ريفي خان الرئيس سعد الحريري وخرج عن طاعته، آخذين عليه عيب التمسك بوصايا 14 آذار العشر. تسأل عمن يرفعون صور اللواء فوق شرفات منازلهم، فيقولون إن خمسة آلاف دولار شهرياً تكفي لرفع خمسين صورة عملاقة لك في المدينة. تسأل عمن يستقبلونه بحماسة في الشوارع فيقولون إنهم فرقة زفّة يستأجرها لتسبقه من حيّ إلى آخر. تستفسر، قبل بضعة أسابيع، من مسؤولي تيار المستقبل وميقاتي والصفدي فيجمعون على استحالة فوزه بمختار في كلّ المدينة. وحين تلحّ أكثر، يعودون إلى ملف منتجع «ميرامار» الذي أصبح العام الماضي منتجعين ويستعد ليصبح ثلاثة منتجعات في واحد. هذا كل ما لديهم عن ريفي: ملف مخالفات بحرية قديم. فيما يكررون الكلام عن إحاطة نفسه بـ «خريجي الحبوس» ومن سبق له تغطية مخالفاتهم في البناء، إضافة طبعاً إلى الغوغائيين الذين يتأثرون بتحريضه المتواصل، باعتبار ريفي رجل تحريض مذهبيّ، فيما هم رجال فكر وثقافة وتوعية وطنية ونشر قيم المواطنة.

الأحد الماضي انتقمت طرابلس لكرامتها. السؤال عن كيفية فوز ريفي يفترض أن يسبقه سؤال عن مشروع إنتاجي واحد أنجزه نجيب ميقاتي الذي يتربع وشقيقه طه على المقاعد الأمامية لقائمة أثرى أثرياء العالم. لو كان في قلب هذين الرجلين مساحة صغيرة لمدينتهما، لكان في وسعهما التعامل معها كاستثمار اقتصادي فيحولانها، خلال 24 ساعة، إلى واحدة من أبرز وأجمل مدن البحر المتوسط: شطآن بدل الشاطئ ومرافئ بدل المرفأ وجبال تتعدد فيها المرافق السياحية بدل الجبل، وأسواق قديمة توازي بمساحتها مساحة الشام القديمة… وغيرها الكثير. إلا أن ميقاتي يفضّل ليالي موناكو على ليالي الشمال، ولا يجد مبرراً لخوض أي تحدّ يتعلق بإنماء مدينته. كل ما يريده من رئاسة الحكومة توسيع رقعة علاقاته العامة واقتحام نواد جديدة لرجال الأعمال، موزعاً مرة تلو الأخرى قائمة المشاريع نفسها التي كان الرئيس رشيد كرامي يعد أهل المدينة بإنجازها.

ومن ميقاتي إلى الحريري؛ ليس السؤال لماذا لم ينتخب الطرابلسيون الحريري، بل لماذا يفترض بطرابلسي واحد أن ينتخب لوائح الحريري؟ للإنماء الذي أنعم على الشماليين به؟ غير «مكرمة» المدارس التي كان يفترض بوالده أن يوفرها قبل الجسور و»الداون تاون». لموقفه السياسي الذي يتلون ويتبدل وفق متطلبات العودة إلى السلطة؟ لمؤسساته الخدماتية التي غدرت بالمريض فتركته عند قارعة بابها من دون دواء، وغدرت بالتلميذ فنقلته من المدرسة الرسمية إلى المدرسة الخاصة ثم توقفت عن دفع الأقساط، وغدرت بالفقير فقدمت له المساعدة الاجتماعية ثماني سنوات ثم قطعتها فجأة؟ حتى تلك الإهانة المتمثلة بالمئة دولار ما عاد الحريري قادراً على تأمينها. من ضرب مبدأ العمل التطوعي في الماكينات أتى يبحث عن متطوعين الآن، ومن أسقط المجتمع المدني من ثورته حين كان في موقع القوة عاد متقنعاً بوجوه جديدة لخداع الناس. إلا أن الناس كانوا في موقع آخر. حال الطرابلسيين كانت من حال كثيرين في مناطق أخرى: قرفانين ويريدون رد صاع السياسيين صاعين.

من تابع يوم المدينة الانتخابيّ الطويل توقف عند بقاء ناخبين كثر في منازلهم حتى اقتراب موعد إقفال صناديق الاقتراع، مقدمين لـ «ميليارديرية» المدينة فرصة أخيرة. ولما تأكدوا أن أحداً لن يستدرك الوضع نزلوا وانتخبوا. كان في وسعهم انتخاب النائب السابق مصباح الأحدب باعتباره يحمل مشروعاً إنمائياً للمدينة، لكنهم آثروا انتخاب ريفي. فوز ريفي يوجه صفعة مباشرة وقوية ولا لبس فيها للائتلاف السياسي، فيما فوز غيره يمكن أن يُبرر. المطلعون على عمل الماكينات يختصرون الكثير بشرحهم أن الرئيس ميقاتي خاض قبل أسبوعين انتخابات طاحنة ضد تيار المستقبل في نقابة الأطباء، فيما أراد من الأطباء وماكينته العمل إلى جنب ماكينة المستقبل اليوم. ودلت الصناديق على أن تشطيب الميقاتيين للصفديين كان شغالاً، في ظل اعتقاد ميقاتي أن الحريري بات من الماضي ومشكلته المستقبلية مع الصفدي. علماً أن الحريري كان يعمل على المال الميقاتيّ كأنه لا يعلم حجم الحرص الميقاتي على عدم الإنفاق ما لم تكن هناك حاجة قصوى لذلك. وهو كان ولا يزال يعتبر نفسه غير مضطر إلى كسر القصبة باعتبار أن المعركة سهلة. وإذا حصلت معجزة وفاز ريفي، فإن المتضرر الأول هو سعد الحريري الذي سيحتاج ميقاتي من الآن وصاعداً أكثر فأكثر.

ليس السؤال لماذا لم ينتخب الطرابلسيون الحريري بل لماذا يفترض أن ينتخبوه

أما الصفدي ففاز جميع مخاتيره في جميع الأحياء من دون استثناء، الأمر الذي يؤكد أن ماكينته قامت بما عليها تجاه نفسها، لكنها لم تلتزم مع الائتلاف كما يجب. والأمر نفسه فعله النائب محمد كبارة الذي فاز جميع مرشحيه كمؤشر على غلبته في الأحياء. لكن من انتخبوا مخاتيره لم ينتخبوا لائحة الائتلاف، بل لائحة أخرى. بدورها، بقيت الجماعة الاسلامية منقسمة على نفسها، ما استدعى تأجيل إعلان لائحة الائتلاف، ولاحقاً تبين أنها شكلت لائحتها الخاصة التي تضم مجموعة مرشحين من لائحة الائتلاف ومجموعة مرشحين من لائحة ريفي. أما تيار المستقبل، فمشكلته الأولى هي أزمته المالية. لكن مشكلته الأكبر هي عدم امتلاكه ماكينة انتخابية. فرجل المستقبل في المدينة النائب سمير الجسر يملك ماكينة تقليدية صغيرة يمكن أن تفوز ببضعة مخاتير في أوضاع طبيعية، أما الماكينة العاملة منذ عشر سنوات فكان ريفي لولبها بحكم إمساكه عبر قوى الأمن الداخلي بالعدة الانتخابية المطلوبة. إلا أن ريفي كان هذه المرة في المقلب الآخر. والبحث عمن حقق لريفي هذا النصر يبين أن ماكينته بالأسماء لم تكن سوى ماكينة المستقبل. أما الخطأ الائتلافي القاتل، فهو تجاهل أثرياء المدينة تمثيلياً بالكامل لفقرائها، واعتقادهم أنهم يخوضون الانتخابات في حي سرسق الأشرفي، في ظل النكتة المتناقلة عن تكليفهم الوزير ميشال فرعون التنسيق مع أصدقائه في حملة «بيروت مدينتي» لاختيار المرشحين بعد اختبار طلاقتهم باللغة الفرنسية. وهكذا عزف على الوتر الطبقيّ أيضاً حيث انتخبت المدينة شرقية ضد غربية وأحياء شعبية ضم الضم والفرز، إضافة طبعاً إلى التصويت السياسي.

الخلاصة الطرابلسية لا تنبئ، رغم النصر الريفيّ الكبير، بحلول أحادية سياسية جديدة محل رباعي ميقاتي ــــ الصفدي ــــ الحريري ــــ كرامي. إنما تشير إلى انضمام لاعب جديد إلى النادي الطرابلسيّ المقفل منذ عشر سنوات. من كانوا يتحدثون سابقاً عن حسم أي ثلاثة أفرقاء للمعركة فور تحالفهم، ما عاد يمكنهم قول ذلك. فتحالف كرامي ــــ ريفي قادر ربما على الوقوف في وجه تحالف ميقاتي ــــ الصفدي ــــ الحريري، وتحالف الحريري ــــ ريفي قادر على الوقوف في وجه تحالف ميقاتي ــــ الصفدي ــــ كرامي. كل ما في الأمر أن هناك أفرقاء سياسيين ما كانوا يحسبون لريفي حساباً ويتعاملون معه كمجرد بالون حرارة مذهبيّ باتوا مضطرين إلى التعامل معه بجدية كبيرة باعتباره واحداً من زعماء المدينة الخمسة، حتى ولو كان أفقر منهم بكثير.