“تجليطة”… معلومات ناقصة أم حقيقة مخيفة؟
سرى الخبر كما النار في الهشيم: إنهم يشترون العقارات في منطقة الأشرفية! هناك من صدّق وهناك من لم يُصدّق، وهنالك من راح “يلملم” التفاصيل للتأكد من هوية السماسرة الذين يسرحون في أرجاء الجميزة ومار مخايل والمدور والكرنتينا والرميل كما جريان الدم إثر زلزال! فهل هناك بالفعل من يريد أن يستفيد من الدم قبل أن يبرد؟ هل هناك من “يلعب” مع أشرفية البداية، أشرفية البشير، أشرفية المئة يوم، الأشرفية التي استمرّت “حصرمة” في عين الأعادي؟
ثمة شعور عارم بالفخر يلوح في كلّ مرة يرفع فيها أبناء وبنات “الأشرفية” رؤوسهم عالياً ليعلنوا: نحن أولاد الأشرفية. فماذا يعني أن يكون اللبناني إبن الأشرفية؟ أصغوا الى خفقات قلوب أهالي الضيعة حين سمعوا أن سماسرة يسرحون في الأرجاء لشراءِ الأرض والعقارات. تعرفون، فمن سيشتري الارض يشتري التاريخ. ومن يشتري التاريخ قد يمحو قصص أبطال سطروا بشهاداتهم وباستشهادهم تاريخ لبنان الحديث.
تلك الأشرفية الجريحة، الأشرفية التي ارتوت من دماء أحلى الشباب وعلى رأسهم فخامة رئيس الجمهورية الشيخ بشير الجميل، محروقة اليوم قلباً وقالباً لكن، أن يحاول أحدهم أو إحداهنّ، إغتنام فرصة وجع الأشرفية والمحيط للإستيلاء على الأرض والتاريخ وتبديد الديموغرافيا، فهذا خط أحمر. والسؤال، هل هناك حقاً من حاول أن يفعل ذلك؟ هل هناك من يتجسس الآن على المنطقة المليئة بالتاريخ والتراث والبطولات لغرضٍ في نفس يعقوب؟ هل بالغ من أعربوا عن هذه التوجسات أم يتراخى من يرى فيها مجرد تهويل؟ ماذا يحصل الآن في الأشرفية والجميزة والمدور والكرنتينا والرميل ومار مخايل؟ هل هناك من هو قادر على وضع النقاط على الحروف؟
عضو تكتل الجمهورية القوية النائب- المهندس عماد واكيم سمع بانتشار سماسرة على الأرض، وتلقى البارحة (ليل الثلثاء- الأربعاء) اتصالاً من قائد “القوات اللبنانية” الدكتور سمير جعجع سأله فيه: “هل هو كلام صحيح؟ وطلب منه أن تتم متابعة الأرض بدقة”. يضيف واكيم: “إتصلتُ بالمخاتير الذين أكدوا أنهم لم يطلعوا على أية محاولات في هذا الإطار، وطلبتُ منهم أن يبقوا يقظين. عدتُ واتصلت بالدوائر العقارية وأتى الجواب أن لا بيانات بعد، حتى اللحظة، بهذا الإطار. طلبتُ أيضاً من الشباب القواتي على الأرض، وعددهم يزيد عن 400 شاب وشابة، التنبه الى أي محاولات من هذا النوع”. تريد “القوات” التأكد من الخط الأبيض والخط الأسود في الموضوع وهي تعقد اليوم إجتماعاً آخر مع مخاتير الأشرفية والمحيط، ويقول واكيم: “الأشرفية عصب المسيحيين وهي تنهض، بصوتٍ واحد، إذا شعرت بخطرٍ داهم. فلنراقب. وليعرف، غير العارف، أن الأشرفية التي واجهت وتحدّت وحاربت وناضلت وانتصرت “مش للبيع”.
ماذا يقول مختار الأشرفية أحمد بيضون؟ المختار “معجوق” كما دائماً “بطلبات ولاد الضيعة” وإجابته كما دائماً سريعة “كلو تجليطة. لا أحد يبيع ولا أحد يشتري. كوني مطمئنة”.
نصدق أو لا؟ هل إجابة المختار “متسرعة” أم معلوماته ناقصة؟ تجيب النائبة- المستقيلة، ولولب الحركة دائماً، بولا يعقوبيان: “المختار ليس الجهة الصالحة، ومن يشتري ويبيع يذهب الى كتاب العدل لا الى المخاتير. وأنا أملك معلومات أكثر من ذلك، بأنهم يُجبرون الناس على التوقيع على التنازل وهم في العناية الفائقة حتى، وهذا مخيف. لن نسمح لأحد بشراء المناطق بالجملة وجعلها بلا بشر. وأهم ما علينا فعله اليوم هو منع هذا السيناريو الجديد من التنفيذ”.
هل هو تضارب في المعلومات أم هو إخفاء معلومات أم ضياع عارم يستفيد منه أصحاب المشاريع والسمسرات المتنوعة في أحلى البلدات البيروتية؟
هنا، قتل البشير. وهنا، في الساحة، ترتفع صورته. وهناك التقطت له صورة مع الشباب. وهنالك كان أهالي الجميزة، يجتمعون ليلعبوا طاولة النرد أو “دق ورق”. وفي هذا المحل الصغير، عند أقدام درج الجميزة، كانت النساء يتبضعن الخضار والفاكهة. الأشرفية والمدور والرميل والجميزة ومار مخايل والصيفي… ضيعٌ زاخرة بالتفاصيل في قلب العاصمة. ننظر في كلِّ الجنبات، بين البيوت التي يصرّ سكانها على البقاء فيها، فنرى العيون تتدور، مثقلة بألف سؤال وسؤال. ونسمع أبو الياس ينادي الجيران: “جيبوا وراق الإيجار أو السندات وسجلوا حالكم من أجل مساعدات”. تهب النساء بحثاً عن صكوك وأوراق. تصرخ إحداهن: “ما بدنا عدس وبرغل وحمص”. وماذا تريد؟ “فليرمموا بيوتنا قبل المطر. كفانا بهدلة”.
كفاهم من إهمال الدولة. كفاهم قهراً. لكن، ماذا عن إسم رندا بري الذي تكرر تحت هاشتاغ “الأشرفية_مش_للبيع”؟ هل هي التي لجأت الى السماسرة لدسّ مدى القدرة على حيازة الأرباح الآن في سوق الأشرفية العقاري؟
لا أحد باستطاعته أن يجزم أو ينفي ورود هذا الإسم في هذا الملف الذي فتح فجأة في الأشرفية بالتزامن مع “تفتّح الجروح” في بيروت المنكوبة. نمشي في الجميزة الجميلة، الغنية بالبيوت الأثرية. نتمهل أمام منزل “الكتلة الوطنية” الغارق في التاريخ. هناك ورشة عمل حقيقية. شباب وشابات يفرزون الركام. الزجاج وحده. الخشب وحده. الجفصين وحده. وعضو الهيئة التنفيذية في الكتلة الوطنية، المهندس المعماري، عبد الحليم جبر يراقب، مع جميع الأعضاء، كل التفاصيل. فهل يملك جبر معلومات عن عيون تتربص من أجل الإستيلاء على المنازل الأثرية في الجميزة الغنية بالمباني الغارقة في التاريخ الجميل؟ يجيب: “ثمة ثلاثة سماسرة عقاريين يجولون منذ يومين أو ثلاثة في التفاصيل عارضين الشراء. ونحن، يضيف، بحكم معاصرتنا لما حصل في سوليدير، حيث جال في عز الأزمة، في العام 1982، زمن الإجتياح الإسرائيلي، سماسرة لشراء الأرض لحساب جماعات تملك سيولة وقادرة على التسديد بالدولار. وما أردناه هو تنبيه الأهالي الى عدم البيع تحت تأثير الصدمة.
وخوفنا الأكبر أن يحصل تهجير بالإكراه، تحت ضغط اللحظة”. ماذا يقصد جبر بالتهجير الإكراهي؟ يستعين عضو “الكتلة الوطنية” ببيان وزع اليوم (البارحة) على المواطنين يعلوه شعار الجيش اللبناني ويتضمن: “يهم غرفة الطوارئ ان توضح انها ستقوم بتنسيق عملية تأمين مساكن بديلة موقتة للمواطنين الذين اصيبت منازلهم بأضرار بالغة ويتعذر عليهم الإقامة فيها كونها مهددة بالإنهيار”. ووزعت مع هذا البيان تعهداً فيه “بعد ان تبلغتُ من دورية تابعة لفصيلة الجميزة وجوب اخلائي العقار افيد انني لا ارغب وأتعهد على مسؤوليتي الشخصية امام المراجع المختصة عن كل ضرر يمكن ان يصيبني”.
في المبدأ، هذا التعهد وذاك البيان ضروريان، لكن، ماذا يؤكد، مع وجود دولة سمحت للمصارف ولنفسها بابتلاع أموال العالم، أن يعود هؤلاء ذات يوم الى بيوتهم؟ ماذا يؤكد أن أحداً ما سيظهر فجأة ليقول لهم: إليكم بهذا التعويض و”دبروا حالكم برا”؟ ماذا يؤكد أن الدولة لن تستخدم هذا الوضع المأسوي لإقفال ملف الإيجارات القديمة، ببعض ملاليم الترضية الى المستأجرين القدامى، وإجراء ترضية موازية مع المالكين القدامى لمصلحة طرف ما؟ فنحن، يا جماعة، في لبنان…
نعود الى عبد الحليم جبر لسؤاله عن تقييمه، بصفته مهندساً، لحجم البيوت التي سيُقال لأصحابها: بيوتكم للهدم؟ يتحدث جبر عن “بيوت تحطم زجاجها ولم تتصدع، وهي البيوت الحديثة، أما البيوت القديمة الحجرية فتضررت كثيراً”. ويستطرد: “نحن نشارك في خلية الأزمة من أجل العمل بسرعة على إعادة ترميم ما يمكن ترميمه. وأنا أتواصل شخصياً مع أصدقاء في المجالين المالي والمصرفي من أجل تأمين القروض الصغيرة الى أصحاب الدكاكين والبيوت الصغيرة والشركات المتواضعة التي يتسبب غيابها بتغيير النسيج السكاني. ونحن، نركز في الكتلة، على من هم الأكثر فقراً لا سيما في المناطق الواقعة بين مستشفيي القديس جاورجيوس والجعيتاوي ومنطقتي الجميزة ومار مخايل وصولاً الى الكرنتينا. وهذه المناطق وكأنها أكلت ضربة مباشرة على أنفها، كونها تطل مباشرة على المرفأ”. يضيف: “في كل حال، إذا تكررت المحاولة من جهة ما، من جهة مطور عقاري أو سياسي، من أجل شراء أراضينا فلن نرحم”. هو تهديد لكل من يحاول أن “يبلع” الأشرفية. لكن ماذا يمكن أن تفعل “الكتلة الوطنية”؟ يجيب جبر: “ما نفعله هو التوعية. التوعية أفضل ردّ على الجهل”.
#الأشرفية_مش_للبيع. العبارة تتصدر على وسائل التواصل الإجتماعي من أهالي الأشرفية وسكانها ومن مروا فيها وعشقوها. الخبير الإقتصادي فيصل نصولي غرّد هو أيضاً #ما_تبيعوا_أرضكم. فهل هو خائف أيضاً على الأشرفية وهو المسلم السني؟ يجيب: “هناك وعي بين الناس ولا خوف على تغيّر الهوية”. وهل صحيح ان نوايا خبيثة تدفع في هذا الإتجاه؟ يقول: “نعم”. وكيف تأكدتم؟ يجيب “من علاقاتنا ومتابعتنا السياسية والإجتماعية والإقتصادية، لكن يهمني أن أقول لأهل الأشرفية أن المنطقة ليست متروكة بل هناك مؤسسات ضخمة جداً تحميها”. مثل من؟ من هي تلك المؤسسات التي قد تحمي إذا تمت المحاولة جدياً لتغيير الديموغرافيا؟ يتردد نصولي في الإجابة ثم يقول: “المملكة العربية السعودية ستمنع، من خلال جمعيات أهلية كبيرة. صحيح أن هناك محاولات قائمة مغرية لكن المملكة السعودية ستساعد ولن تسمح بذلك”.
بالنسبة الى نصولي ليس المهم من يريد الشراء بل الأهم اليوم هو السؤال، هل سيُسمح بنجاح هذه العملية؟ ويستطرد: “الكلام في الجهة التي تريد الشراء سياسي أما كلامنا في النتيجة، كمراقبين إقتصاديين وإجتماعيين، فهو أجدى بكثير. فنحن، يهمنا كثيراً الوجود المسيحي في لبنان وعدم شعور هذه الطائفة بأن شيئاً ما يهددها. يهمنا ان يبقى المسيحيون هنا. المسيحية انطلقت من هذه الأرض، وهم من دفعوا في اتجاه تسمية هذه الأرض بسويسرا الشرق”. يتحدث نصولي عن أربعة مكونات اليوم في لبنان: المسيحيون، السنة، الشيعة غير الايرانيين و”حزب الله”. والسؤال الذي يفترض ان نسأله اليوم: إذا وجد الحلّ الإقليمي وسلم “حزب الله” سلاحه وانتهينا من موضوع السلاح فأي لبنان سيكون؟ هل نريد نظاماً ديموقراطياً؟ علينا إذاً تطبيق قانون انتخابي قائم على صيغة النصف زائداً واحداً. تذكروا النصف زائداً واحداً”.
كلام كثير في السياسة يسرده فيصل نصولي يخلص فيه الى ان “لبنان الذي نعرفه انتهى. وعلى المسيحيين أن يتمسكوا بوجودهم اليوم، لأنه ضروري ومحوري في المعادلة المقبلة. ومطالبتنا لهم بألا يبيعوا الأرض يدخل في هذا الإطار”.
#الأشرفية_مش_للبيع… وكيف تباع وهي الرئة، التاريخ، البيت. الأشرفية أشرفية ونقطة على السطر! اللهمّ إذا لم تُدبَّر لهم مكيدة!