Site icon IMLebanon

هل مَن يتآمر على ثانوية الأشرفية؟

 

سُمّيت باسمِ جبران غسان تويني و”اغتيلت” في الـ 2021

 

 

بعد 54 عاماً على حمل إسمها “ثانوية الأشرفية” وأربعة أعوام على تزيين الإسم باسم الشهيد “جبران غسان تويني” تقرر إخلاء الثانوية بعد أعوام على عدم سداد وزارة التربية الإيجار، ومطالبة أصحاب الملك من آل القزح بالمبنيين، مبنى الفرع الإنكليزي ومبنى الفرع الفرنسي، اللذين يشكلان الثانوية التي طالما اعتبرت علامة فارقة في قلب بيروت، في قلب الأشرفية، في قلب مئات الآلاف الذين تخرّجوا منها منذ العام 1967. ثانوية الأشرفية تخلي اليوم موقعها الى “كونتينر” في الكرنتينا. فلنتابع القصة الكاملة.

أشياء كثيرة تتغير. كل شيء يتغير. البلد ما عاد ذاته والمدارس “تتشقلب” رأساً على عقب. والتعليم الذي هو أقوى سلاح يمكن استخدامه لتغيير العالم أصبح في بلادنا رقماً هامشياً وغاية مؤجلة الى حين تتأمن كل الغايات وتُحلّ كل الأزمات. وها هي ثانوية الأشرفية تدفع الثمن وها هم مئات الطلاب الذين كان يفترض أن ينضووا هذه السنة تحت لوائها لا يعرفون مصيرهم. الثانوية التي حملت من أكثر من خمسين عاماً إسم الأشرفية تزحلقت نزولاً نحو الكرنتينا. فهل ستبقى تستحق اسمها؟ وهل سيبقى طلابها الذين يملكون (أو كانوا يملكون فيها) كل المقومات التعليمية من مسرح ومختبرات وقاعات فسيحة ومياه وكهرباء، أنفسهم في مستوعب مشكّل من صفوف بينها حمامات وملعبها يبعد عنها نحو مئة وخمسين متراً والكهرباء فيها التي تؤمنها بلدية بيروت تنقطع عند الساعة الثانية ظهراً مع إنتهاء الدوام والمياه تنقل إليها بالصهاريج؟

 

آخر من تسلم “رسمياً”، لا بالتكليف، أمر الثانوية كان مديرها سمير حداد الذي أحيل إلى التقاعد في آذار من العام 2020 بعد أن كان قد شغل الموقع منذ العام 2007. 13 عاماً أمضاها الأستاذ مديراً لثانوية الأشرفية في فرعها الفرنسي. واستلمت بعده الناظرة العامة ميشلين سلامة المسؤولية بالتكليف. لكن، لماذا “طارت” ثانوية الأشرفية من الأشرفية؟ هل من مؤامرة كما يُلوّح العارفون؟

 

يتحدث سمير حداد عن مبنيين يُشكلان ثانوية الأشرفية “المبنى الأول، للثانوية الأولى الفرنسية والمبنى الثاني، للثانوية الثانية الإنكليزية. واستأجرت المدرسة، بمبنييها، في العام 1967 وأقفلت منذ شهر. ومنذ أعوام توقف تسديد الإيجار. وقيل يومها أن السبب هو تغيير الإسم حيث أصبح ثانوية جبران غسان تويني- الأشرفية. أصحاب الملك تذرعوا بتغيير الإسم لاستعادة المأجور. وهذا ما صدر فعلاً بصدور قرار الإخلاء في 15 تموز 2021 بعد محاولات جمة من إدارة المدرسة لتعطيل القرار والعودة عنه وتأخير التنفيذ مرات عدة”.

 

من مبنى إلى كونتينر

 

القرار إتخذ. الثانوية تخلي موقعها. ومحتوياتها توزع يميناً ويساراً لأن المكان المنوي نقلها إليه لا يسع ولا يستحق، بحسب مديرها السابق، إسم ثانوية بحجم ثانوية الأشرفية. فلنصغ الى التفاصيل الإضافية: المبنى في الكرنتينا هو عبارة عن “كونتينر”، لا كهرباء فيه ولا مياه. بني الكونتينر من قِبل الدولة الإسبانية على ارض تملكها الدولة اللبنانية. وستنقل إليه المياه بالصهاريج. فهل يمكن أن يتصور أحد أن هذا قد يكون حلاً لمدرسة تضم 470 طالباً؟ الكهرباء ليست أفضل حالاً وهي ستؤمن من بلدية بيروت وقد تنقطع مع توقف مولدات البلدية عن العمل عند الثانية بعد الظهر. ومعلوم أن الثانوية لها دوامان، صباحي ومسائي، فهل سيدرس طلاب الفترة المسائية على الشمعة؟ ناهيكم أن المنطقة التي ستنقل إليها ثانوية الاشرفية ليست سكنية، وبعد الظهر لا يعود فيها “زلمي”، فكيف يمكن أن يطمئن الأهالي الى وجود أولادهم في منطقة غير سكنية بلا كهرباء ولا مياه ولا مقومات تربوية وملعبها يبعد عن الصفوف أكثر من مئة متر والحمامات بين الصفوف؟

 

شتان ما بين ثانوية الأشرفية في الأشرفية وثانوية الأشرفية إذا ما أصبحت في الكرنتينا. ففوق، حيث أنشئت وخرّجت عشرات الآلاف بينهم وزراء ونواب وفاعليات- الوزير غازي العريضي تخرج منها على سبيل المثال لا الحصر- كانت تضم مسرحاً نموذجياً وقاعة للرياضة مقفلة ومياه ساخنة ومكتبة فسيحة ومختبرات فيزياء وكيمياء ومختبر “روبو” وها هي محتويات وكل تلك المختبرات تتبعثر وتوزع لأن لا مكان لها في الموقع الجديد. هنا، يتابع مدير ثانوية الدكوانة سابقاً حنا صهيون “المهزلة” الحاصلة في الأشرفية معلقاً: “نحن حسب معرفتنا يفترض أن تُنقل الثانويات الى بناء أفضل لا أسوأ”.

 

وزارة التربية هي كانت من يدفع الإيجار منذ العام 1967، بسعر سنوي يعادل 360 مليون ليرة سنوياً، بحسب مدير الثانوية السابق، ومنذ خمسة أعوام توقفت الوزارة عن التسديد وطالب أصحاب الملك باسترداد العقار. و”يومها، يضيف المدير، صدر حكم قضائي لمصلحة صاحب الملك فأجريتُ بنفسي سلسلة إتصالات ونجحنا في إرجاء التنفيذ”.

 

أصحاب ملك عقار ثانوية الأشرفية (من آل القزح) يعيشون في الولايات المتحدة الأميركية. والدتهم هي وحدها من صمدت في لبنان. والوزارة تحججت في عدم سداد الإيجار بأن صاحب الملك يريد إسترداد المأجور. راجعت إدارة الثانوية حول الأمر فقيل لها أن الإشكالات اتسعت بعد تبديل الإسم، أو لنقل إضافة إسم جبران غسان تويني الى الإسم المعقود الإيجار وفقه، وهذا ما فتح إشكالات إدارية. ويومها دعا أصحاب الملك الى إرسال قرار تغيير الإسم إليهم وهذا ما فعله مدير الثانوية غير أنهم إستمروا يرفضون القبض.

 

على اسم جبران

 

طبعاً، أعطي إسم الشهيد على أهم ثانوية في الأشرفية لأنها تستحق أن تحمل إسمه، ويستحق أن يبقى اسمه حاضراً، لكن ماذا عن التفاصيل التي سبقت والتي تلت إطلاق الإسم؟ رفعت مؤسسة جبران تويني طلب إطلاق الإسم أيام وزير التربية الياس أبو صعب وتم ذلك إيام وزير التربية والتعليم العالي مروان حماده. ويومها حضر النواب سيرج طورسركيسيان ونديم الجميل ونايلة تويني والوزيران ملحم رياشي والياس أبو صعب ومثّل المطران الياس عوده الأرشمندريت إستيفانوس عبد النور. كان إحتفالاً مستحقاً كبيراً. فاين كل هؤلاء؟ أين نواب الأشرفية وكل الفاعليات؟ لماذا لم نسمع إصراراً للإحتفاظ بثانوية بحجم ثانوية الأشرفية؟

 

القرار القضائي الأول الذي صدر بإخلاء الثانوية العقار كان في أيار من العام 2018. ونجحت الإدارة بتأجيله. وعاد وصدر قرارٌ بالإخلاء في 15 آب 2021. نجحت الإدارة بتأجيله شهراً. وما يلفت المدير السابق الى ورود معلومات إليه تشير إلى أن عدداً كبيراً من الطلاب يأخذ إفادات ما معناه أنه هؤلاء الطلّاب لن يعودوا الى الثانوية في موقعها الجديد.

 

خوف على القطاع

 

يراقب المدراء الذين أداروا ثانويات في بيروت والضواحي ما يحدث مع ثانوية الأشرفية بعين الريبة والخوف على القطاع التعليمي الثانوي في شكل عام. مدير ثانوية الدكوانة سابقاً حنا صهيون يتحدث عن ثانوية الأشرفية على أنها تحمل الرقم واحد، دلالة الى أنها أول ثانوية انشئت في بيروت الإدارية. إنها أول ثانوية في لبنان تأسست أيام الرئيس شارل حلو، وطلابها من كل المذاهب والطوائف. فلماذا القضاء اليوم على هذه الثانوية؟ لتلك الثانوية تاريخ معنوي وثقافي وتربوي واجتماعي. فهل يجوز إستسهال “إلغائها” من قلب الأشرفية ونقلها الى “كونتينر” في الكرنتينا؟

 

لا أحد يحطّ من قدر ما أنجزته الدولة الإسبانية من بناء في الكرنتينا لكنه يصلح لمكاتب لا لثانوية. والحلّ؟

 

يتحدث المدير حداد عن بناء مجمع مدارس ثانويات قبل نحو تسعة أعوام قرب “سوق الأحد”. إنه بناء حديث. لكن الثانوية لم تنتقل إليه يومها كي تبقى ثانوية الأشرفية في قلب الأشرفية. ولاحقاً، بعد إنفجار 4 آب، انتقلت إليها مدارس تكميلية ومركز الإرشاد. فلترمم التكميلية المتضررة ولتعد الى موقعها ولينتقل مركز الإرشاد الى “الكونتينر” المناسب حجماً وهندسةً له. ثمة حلّ آخر، هناك في الأشرفية أربع أو خمس تكيميليات ومعلوم أن الطلاب في المنطقة الذين يدخلون في الصفوف التكميلية الى المدرسة الرسمية ليسوا كثيرين في حين أن الحاجة الى الثانوية أكبر بكثير. فلتكن ثلاث تكميليات بدل أربع. هنا، مهم أن نعرف أن في المنطقة التي كانت تسمى “الشرقية” ثلاث ثانويات فقط.

 

“رضينا بالهمّ، والهم مش راضي فينا “. كم ينطبق هذا المثل على واقع ثانوية الأشرفية. فقد رضي المعترضون، إذا كان لا بُدّ، من الإنتقال من قلب الأشرفية لكن الى مجمع الثانويات لا الى الكونتينر. فهل من يصغي إليهم؟

 

قضية ثانوية الأشرفية على نار، علماً أن الثانوية كان يفترض (لو كنا في سنة عادية) أن تكون قد فُتحت. أمرٌ آخر يثار إنطلاقاً مما حصل مع ثانوية الأشرفية ماذا لو طالب كل مالكي العقارات التي تشغلها ثانويات، مع إقتراب تحرير العقارات القديمة سنة 2023، بإخلائها؟ مدير ثانوية الدكوانة سابقاً حنا صهيون يلفت الى هذه النقطة التي هي في غاية الاهمية. فمستقبل الأجيال ليس رقماً إضافياً مؤجلاً حتى ولو كنا في بلادٍ مهترئة التفاصيل. فالتعليم هو الرأسمال الذي يبقى بعد أن يخسر الإنسان، كما البلد، كل شيء.