IMLebanon

الأشرفية تنتفض… سنثأر إذا لم تتحرّك الدولة

أمس الأول «استشهد» شاب في الأشرفية، لم يسقط بانفجار، ولا بسبب معارك طاحنة في إحدى الحروب، ولا نتيجة حادث قضاء وقدر، بل إنّ التفلّت الأمني وسلاح السكاكين هما اللذان قتلاه. فقد وصلت لذّة الإجرام للإعتداء على مارسيلينو وسط ساحة الأشرفية، هذه الساحة التي لم يجرؤ أحد على التطاول عليها من قبل. أمس الأول عادت قضية جورج الريف الى الساحة، في نفس الأسلوب، نفس التكتيك، والأهمّ من ذلك نفس الوقاحة.

قد يكون التفلّت الأمني «فتحَ شهيّة» القتلى على ممارسة هوايتهم، فبكل برودة أعصاب أقدمَ الفلسطيني احمد سعد واللبناني حسن فقيه على طعن مارسيلينو زاماطا حتى الموت، هذا الشاب الذي لا تسَع الدنيا أحلامه، كان مع خطيبته ستيفاني التي شهدت على الجريمة، هما اللذان وَعدا بعضهما بإكمال العمر «على الحلوة والمرّة»، فلم يعرفا يومها أنّ الطعنة «المرّة» ستُنهي قصتهما قبل أن تبدأ.

مارسيلينو شاب في الـ27 من عمره، هادئ الى أبعد الحدود، مثقف، طيّب القلب، روحه مَرحة، باسِم الوجه دائماً. وتقول إحدى صديقاته لـ«الجمهورية»: «إستقرّ مارسيلينو منذ فترة قصيرة، فهو كان قد تحمّل مسؤولية العمل مع والده منذ الصغر، إذ إنّ والدته توفيت منذ 24 عاماً، وصادفَ يوم رحيله يوم وفاة والدته، أمّا والده فنَذر حياته له ولشقيقته ماريان، وكان رافضاً لفكرة الزواج الى حين شعر أنّ ولديه أصبحا مستقلّين كفاية، فتزوّج منذ نحو الشهرين.

ومارسيلينو، من جهته، تقدّم لخطوبة صديقته ستيفاني التي تصغره بثلاث سنوات يوم الأحد الماضي بعد أن أمضيا سوياً نحو 4 سنوات، وكان من المقرر أن يقوما بالاحتفال في هذا الأسبوع»، وأضافت: «وغداً (اليوم) عرسه».

روايات

بعدما تضاربت المعلومات حول ملابسات الجريمة، أكدت إحدى قريبات مارسيلينو أنه «نحو الساعة الثامنة إلّا ربعاً من مساء الثلثاء توجّه مارسيلينو وخطيبته ستيفاني الى أحد محال الحلويات في الأشرفية، وفيما هما متوقفان على الإشارة، مَرّ شابّان سيراً على الأقدام وتلاسَنا مع مارسيلينو بكلامٍ مُستفزّ»، نافيةً «تعرّضهما لخطيبته بأيّ كلام، وهذا التلاسُن أدّى الى نزول مارسيلينو من السيارة وضَربه للشاب اللبناني، ليُسارِع الفلسطيني ويطعنه طعنتين في صدره وواحدة في خصره، ما سَبّب موته على الفور».

وأضافت: «ما إن فرّ المجرمان، حتى استدارت ستيفاني لترى خطيبها مطروحاً على السيارة، فاعتقدت للوهلة الاولى أنّ دواراً أصابه، لكنها انتبهَت للدماء تسيل من جسمه وما لبثَ أن لَفظَ أنفاسه. في هذه الأثناء كان شبّان من حزب «القوات اللبنانية» لَحقوا بالمجرمَين وأمسكوا بهما، فأوسَعوهما ضرباً واقتادوهما الى الدرك».

ورجّح أحد أقارب الضحية أن «يكون هناك هدف لإلهاء أحدهما لمارسيلينو كي يتمكّن الآخر من سرقة أغراض من السيارة».

من جهتها، تطالب العائلة بإعدام المجرمَين في ساحة ساسين أمام الناس كي يُشفى غليل الوالد، الذي «انهَدّ ظهره»، وإذا لم يحصل ذلك فسيُضطرّون لأخذ ثأرهم بأيديهم، وهذا ما وَعد به الوالد، لأنّ «الجمرَه ما بتحرُق إلّا مَحلّا».

وقفة إستنكار

أمّا حزب «القوات اللبنانية»، الذي شهد أحد فروعه على الجريمة وكان لشبّانه فضل في القبض على المجرمين، فنَفّذ وَقفة في ساحة ساسين في الأشرفية إستنكاراً للجريمة، فأُضيئت الشموع من المشاركين، في حضور الوزير السابق نقولا صحناوي، ومنسّق بيروت في «القوات» عماد واكيم، ومسؤول منطقة الاشرفية في «القوات» بول معراوي، ومسؤول قطاع الطلاب في «القوات» جاد دميان، وممثلة عائلة الضحية رونالدا ابراهيم.

وقال واكيم: «نجتمع اليوم لنبكي شهيداً جديداً، والبعض خلال النهار قال لنا لماذا الصلاة وإضاءة الشموع فنحن مسيحيون ومؤمنون ونؤمن بالشهادة ؟ نحن نصلّي لروح مارسيلينو شهيد الفلتان الأمني وضعف الدولة اللبنانية وشهيد البؤر الأمنية في الدولة اللبنانية».

وطالبَ بـ«تفعيل دور الحرس البلدي لكي نؤمن شوارعنا في بيروت، لأنّ الوضع لم يعد مسموحاً، والاشرفية وأبناء الوطن لن يقبلوا بهذا الوضع، والاهالي يطالبون بالبدلة الزيتية وبالأمن الذاتي، ومن غير المسموح ان يزرع بعض الزعران الرعب والخوف في نفوس المواطنين»، مُنذراً «ما تجَرّبونا لأنّ الأكبر منكم جَرّبنا ورَكّعناه. ونقول للدولة: خذي زمام المبادرة لأننا لن نكتفي في «الكفى»، وسنصِل الى الحفاظ على مناطقنا، واذا الدولة غير قادرة فنحن قادرون على حماية أنفسنا».

ووعدَ مارسلينو أنّ دمه لن يذهب هدراً، قائلاً: «سنبقى العين الساهرة، وأقول باسمه وباسم الشباب إنه وقت السلم نحن اليَد التي تُعمّر ووَقت الخطر قوّات».

بدوره، أكد صحناوي أنّ «الجريمة تلوّع القلوب، وكل مواطن في لبنان يشعر بها، ولا نقبل بأن يحصل هذا الأمر في منطقتنا»، موضِحاً أنّ «الموضوع ليس سياسياً، بل هو مؤسساتي، ونطالب الدولة اللبنانية بأن تتحمّل مسؤولياتها لحماية المواطنين، ونشكر القوات اللبنانية لأنها أخذت المبادرة لدى وقوع الحادثة، وعلى البلدية أن تتخذ الاجراءات اللازمة في الاشرفية لأنها ليست الحادثة الأولى التي تحصل لدينا في

الاشرفية، فمنطقتنا ليست مَكسر عصا».

من جهته، قال دميان: «وقفتنا ليست وقفة سياسية وإنما وطنية، فما حصل غير مقبول في أي منطقة من لبنان، ويجب أن تتحمّل وزارة الداخلية والدفاع وكل الأجهزة الامنية مسؤولياتها، وعليها ان تختار إمّا ان تحرص على المواطنين وامّا ان تقول لنا لنقوم نحن بما يلزم. ونطالب القضاء اللبناني بأن يتخذ الاجراءات كلها ويقمع المجرمين».

«لم… ولن نسمح لأولاد الشوارع والأيادي القذرة أن تقتل شبابنا»، هذه العبارة التي رفعها مكتب «القوات اللبنانية» على واجهته بُعَيد الجريمة، لعلّها تختصر خطة أبناء الأشرفية خصوصاً واللبنانيين عموماً، فهؤلاء الذين أعطوا الدولة فرصة بَسط سلطتها ولم تفوّت فرصة إلّا وخَيّبتهم، لن يساوموا بعد اليوم، فأرواح شبابهم ليست رخيصة، وهم يعرفون كيف يضعون لـ»الوقاحة» حداً بأيديهم، إذا استلزَم الأمر.