لا يمكن أن يمر الموقف الأخير، الذي أطلقه البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي حول الانتخابات الرئاسية، مرور الكرام لدى رئيس تكتل التغيير والإصلاح العماد ميشال عون، خصوصاً أنه يأتي في لحظة مصيرية على صعيد هذا الاستحقاق، ناتجة من احتمال دخول منطقة الشرق الأوسط مرحلة التسويات الكبرى، بعد توقيع الاتفاق النووي بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية والدول الكبرى.
«بعد سنة وأربعة أشهر تخللتها ست وعشرون دورة انتخابية فاشلة بسبب مقاطعة فريق وتعطيل النصاب، أصبح من واجب كل فريق إعلان مرشحه الحيادي القادر والجامع لرئاسة الجمهورية، ويتوجه الجميع إلى المجلس النيابي بشجاعة ومسؤولية، وينتخبون الرئيس الملائم للبلاد في الظروف السياسية والاقتصادية والأمنية الراهنة»، هذه العبارات كانت واضحة من أجل فهم حقيقة المعركة التي تلوح في الأفق بين بكركي والرابية، لا سيما أن الراعي لم يكتف فقط بالدعوة إلى إنجاز الاستحقاق الرئاسي، على قاعدة المرشح الحيادي فقط، بل حمل التيار الوطني الحر مسؤولية الشغور، من خلال الحديث عن فريق مقاطع يعطل النصاب، في وقت تحتدم فيه المعركة التي يخوضها التيار تحت عنوان الدفاع عن حقوق المسيحيين في الشركة، والمطالبة باسترجاعها بعد سنوات من السطو السياسي عليها.
في هذا السياق، تستغرب أوساط مقربة من الوطني الحر، هذا الموقف، وتشير إلى أن من المفترض أن يكون الراعي إلى جانب الممثل الأول للمسيحيين على الساحة السياسية لا العكس، لا سيما أن ما يطالب به حقوقاً يعترف بها أغلب الأفرقاء في الوطن، باستثناء تيار المستقبل، وتجدد التأكيد أن استمرار الفراغ أفضل من انتخاب رئيس حيادي لن يكون قادراً على القيام بأي أمر، وتشير إلى أن التجارب المتكررة منذ توقيع اتفاق الطائف على الأقل غير مشجعة، وتسأل: «ما الذي استطاع أن يقدمه الرؤساء الحياديون خلال توليهم سدة الحكم كي نعيد تكرار التجربة في هذه المرحلة الحساسة، حيث يتعرض المسيحيون في لمؤامرة تهدف إلى اقتلاعهم من أرضهم؟»
وفي حين ترفض هذه الأوساط الدخول في سجال في البطريرك الماروني بأي شكل من الأشكال، من منطلق الحرص على موقعه الروحي أولاً، تشير إلى أن موقفه الأخير يصب في خانة خدمة تيار المستقبل، سواء قصد الراعي القيام بهذا الأمر أو لم يقصد، وتفضل أن يكون الاحتمال الثاني هو الصحيح، وتلفت إلى أنه في الوقت الذي يخوض فيه العماد عون معركة إيصال رئيس قوي إلى قصر بعبدا، لا يجب أن تكون المرجعية الروحية في موقع المتنازل عن هذا الحق، وتضيف: «قبل يوم واحد رأينا كيف أن مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان يدافع عن صلاحيات موقع الرئاسة الثالثة»، وتشدد على أن المطلوب من الراعي كان أن يطالب بالاستعجال في التفاهم الرئاسي من دون طرح نظرية الشخصية الحيادية، في حال لم يكن راغباً بالوقوف إلى جانب العماد عون، وتسأل: «لماذا علينا الموافقة على أن تكون التسويات على حسابنا، وهل يوافق المستقبل بالمرحلة المقبلة على أن تكون تسمية رئيس الحكومة من مسؤولية جميع الأفرقاء، بشرط أن تكون الشخصية التي يقع عليه الاختيار حيادية؟»
على صعيد متصل، ترى الأوساط نفسها أن من المستبعد أن يقدم رئيس تكتل التغيير والإصلاح على فتح معركة مع البطريرك الماروني بسبب هذا الموقف، حيث تتوقع أن يتعامل معه كما تعامل مع المعترضين على أسلوبه من الحلفاء، من خلال تجاوز الخلاف والتأكيد أنه لا يحتاج إلى دعم أي جهة له في المعركة التي يخوضها، إلا أنها ترى أن هذا الأمر قد يحصل في المستقبل في حال كرر الراعي الكلام نفسه، لا سيما إذا ما تصاعدت الأزمة أكثر، حيث سيعتبر العماد عون أن البطريرك قرر أن يكون في الجهة المقابلة، أي إلى جانب القوى التي ترفض الاعتراف بالحقوق المكرسة بموجب الدستور والميثاق الوطني.
في الجهة المقابلة، تثني مصادر نيابية في كتلة المستقبل على موقف الراعي، وتدعو التيار الوطني الحر إلى التجاوب معه، خصوصاً أنه يأتي في وقت تمر فيها البلاد في ظروف صعبة على مختلف المستويات الاقتصادية والاجتماعية والأمنية، وتعتبر أن دعوته تأتي نتيجة الفشل في الوصول إلى توافق على انتخاب رئيس بعد مرور أشهر طويلة على انتهاء ولاية الرئيس السابق ميشال سليمان.
وترفض هذه المصادر، الحديث عن سطو على حقوق المسيحيين في الدولة من جانب فريقها السياسي، وتشدد على أن مشكلة العماد عون أنه يختصر تمثيل شريحة واسعة من اللبنانيين بشخصه على قاعدة «أنا أو لا أحد»، وترفض أن تخاض المعارك الديموقراطية على أساس التهديد والوعيد، وتضيف: «خطاب الجنرال ساهم في توتير الأجواء في وقت من المفترض فيه أن تبادر جميع القوى إلى التهدئة من أجل تمرير المرحلة بأقل قدر ممكن من الخسائر»، وتعرب عن أملها في أن تحمل الأيام المقبلة معها معطيات إيجابية، إلا أنها تعترف بصعوبة الأمر، خصوصاً أن الأجواء الحالية لا توحي بأي تبدل في المواقف.