Site icon IMLebanon

المطلوب “كرنتينا”

لا أعتقد أن أحداً من اللبنانيين قد فوجئ حقاً عندما انفجرت قنبلة وزير الصحة الغذائية. فنحن كنا على يقين – وإن كان بعضنا يتفنن في سبل تجاهل الواقع، بغية مواصلة العيش – أن السموم في هذا البلد تأتينا من كل حدب وصوب: من الأطعمة الفاسدة نعم، ولكن أيضاً من الهواء الملوّث، والأدوية المغشوشة، والمياه العامرة بالجراثيم، وهلمّ. حتى إذا وجب إعداد لائحة شاملة متكاملة، تبيّن للمواطنين اللبنانيين سبل الوقاية من الأمراض، كان علينا أن نصوم تماماً عن الأكل والشرب، وأن نمتنع عن الذهاب الى المستشفيات والصيدليات، ولكان علينا حتى أن نضرب عن الخروج من منازلنا. بذلك يتضح لنا سريعاً أن الطريقة الأنجع، لا بل أكاد أقول الطريقة الوحيدة، لمقاومة الموت في لبنان هي… بالموت في ذاته، على طريقة “وداوني بالتي كانت هي الداء”.

لكني، إذ أحيّي جرأتك الأدبية والسياسية والانسانية، يا حضرة الوزير الكريم، لا بد من أن أواصل الاستشهاد بأبي نواس وأقول إنك قد “حفظتَ شيئاً وغابت عنك أشياء”. صحيح أن الأشياء – المسممة والقاتلة – التي غابت عن لوائحك قد لا تدخل في صلاحيات حقيبتك الوزارية في شكل مباشر، لكنها، تلك الأشياء بالذات، تتسبب بأمراض أجرؤ على أن أزعم أنها أكثر قسوةً وأشد فتكاً من تلك التي يتسبب بها فساد المنتجات الغذائية، لأنها ناتجة من فيروسات لا ترياق لها ولا علاج في لبناننا الراهن: أتحدث هنا عن سرطان اليأس، عن فالج القرف، عن إيدز الانقسام، عن إيبولا الطائفية، عن كوليرا الفراغ، عن مالاريا الطمع، عن سلّ الارتهان، عن الالتهابات “الضميرية” و”الأخلاقية” التي تحصد أرواحنا يومياً، ولا مَن يسأل.

مَن يحمينا ويحمي شبابنا ويحمي كياننا من هذه السموم، يا معالي الوزير؟ السؤال، طبعاً، ليس موجَّهاً حصراً إليك، بل هو في رسم جميع المسؤولين في هذا البلد وعنه، بأسلوب “اسمعي يا جارة وافهمي يا كنّة”. أما السؤال الأدهى، فهو في رسمنا نحن المواطنين السقيمين: كيف “إلنا عين” نظلّ نصدّق أن زعماءنا الأشاوس سوف يحققون لنا معجزة الشفاء، وهم الناقلون الأساسيون للفيروسات المذكورة أعلاه؟!

تفيد التجارب أنه عند حشر ديكين في مكان واحد مغلق، يبدأان بالتعارك بضراوة، الى أن يستنزفا قواهما، فيستكينان ويقبل الواحد منهما وجود الآخر. فما رأيك يا سيدي الوزير لو تكمل معروفك الصحّي وتخصّص “كرنتينا” للسياسيين؟

لعلهم إذا “انحشروا” معاً في مساحة واحدة معقّمة، انتقلوا من “التناتف”… الى التعايش.