حين تحققت المصالحة بين العماد ميشال عون والدكتور سمير جعجع، اعتقد المسيحيون ان قوتهم التي كانت سائدة ايام الحرب اللبنانية ستعود فور إعلان «ورقة النوايا»، وبالتالي سوف تعود الحقوق المسيحية الني ُسلبت بعد نفيّ عون الى الخارج وإدخال جعجع الى السجن، ومن ضمن هذه الحقوق عودة الموقع المسيحي الى سابق عهده، هكذا تعبّر مصادر مسيحية مراقبة لما يجري في هذا الاطار منذ حزيران 2015، أي منذ توقيع ورقة النوايا بين الزعيمين. لكن تضيف المصادر، بأنه على الرغم من حصول المصالحة بين عون وجعجع، وترشيح الاخير الاول للرئاسة، لم يحصل أي توافق رئاسي على صعيد ما كانت تقوم به الثنائيات الاخرى، أي السنّية والشيعية في إيصال من تريد الى الموقعين الثاني والثالث، لان زعماء هاتين الطائفتين لم يفسحوا المجال في أي مرة للطائفة المسيحية بإعطاء رأيها. في حين ان المرشحين المسيحيين يسعون كالعادة لإسترضاء أفرقاء النزاع للوصول الى ما يبغون اليه. في حين لا يحدث ذلك على خط رئاستيّ المجلس والحكومة، لان زعماء طائفتيها تتفق دائماً وتتوّحد على إسم معيّن ولا تسمح بوصول سواه. لكن ما يجري اليوم هو سعي الآخرين لإيصال مرشح رئاسي باهت سياسياً، كي يدير الأزمة ولا يحّلها. بسبب غياب الكلمة المسيحية الموّحدة والقوية، في ظل تزايد الانقسامات المسيحية بعد رفض النائب سليمان فرنجية سحب ترشيحه، وكل هذا سيسمح للبعض بأن يفرض مرشحاً يُضعف دور المسيحيين، في ظل مؤشرات تؤكد بأن الفراغ الرئاسي سيمتد لأشهر ايضاً وايضاً.
الى ذلك دعت المصادر المذكورة كل الزعماء المسيحيين للتصدّي لأي طبخة خارجية تنفذها مكوّنات سياسية غير مسيحية، أي تحالف السنّي والشيعي والدرزي، وبالتالي إعلان جبهة رفض وتشكيل حلف سياسي قوي أي «تسونامي مسيحي»، سبق ان اطلقه وليد جنبلاط قبل احد عشر عاماً، أي لحظة وصول العماد عون الى مطار بيروت قادماً من منفاه الفرنسي، وحينها كان جنبلاط يتخوّف من قوة الاول، لكن للاسف لم يتحقق شيء من تلك القوة على ارض الواقع، لذا نأمل تحقيق هذا «التسونامي» من خلال اتفاق مسيحي يجمع الكل، لان الثنائية لم تنجح كما هو مطلوب منها.
ورأت المصادر بأن المسيحيين راهنوا على هذه الثنائية منذ سنوات، لانهم تعبوا ولا زالوا ينتظرون اليوم اتفاق كل المكونات المسيحية، كي يتحلحل الوضع الكارثي الذي دفعوا ثمنه، وبالتالي لانهم يشعرون بأن الورقة الرئاسية سُحبت منهم نهائياً، والمطلوب مساحة مشتركة حول موقع ودور المسيحيين في السلطة، أي إخراج هذا الدور من المأزق، مذكّرة بأيام « الحلف الثلاثي» الذي تأسس في العام 1968 بين كميل شمعون وبيار الجميّل وريمون إده، من اجل درء خطر كان داهماً على لبنان وجوداً وكياناً وهوية، ما جعلهم يضعون خلافاتهم حول الشؤون الداخلية والشخصية جانباً، على أثر المدّ الناصري تحقيقاً لحلم «الوحدة العربية» التي كان لها جمهور واسع، لذا كان لا بد للقيادات المسيحية حينها وتحديداً المارونية، أن تتوحد لمواجهة هذا الخطر، وحينها شكّل «الحلف الثلاثي» لوائح مشتركة خاض بها الانتخابات النيابية، فإكتسحت هذه اللوائح كل المقاعد النيابية في جبل لبنان، فكان الفوز للحلف المذكور.
وختمت المصادر بأن هذا هو المطلوب اليوم في الاطار المسيحي، لانه آن الاوان ان يستفيقوا جميعاَ من الغيبوبة التي أنهكت المسيحيين على مدى ربع قرن، في ظل ما يجري في المنطقة من تهديدات للوجود المسيحي، وبالتالي عليهم تطبيق المثل الشائع «في الجمع قوة لا يستهان بها»، لكن مَن عليه تنفيذ هذا المثل يجب ان يتناسى المصالح الشخصية وينظر الى مصلحة لبنان العليا فقط لا غير.