IMLebanon

الأسد والأخبار السيئة

المعلومات الواردة الى باريس من شخصيات مقربة من القيادة السورية ومن بغداد وواشنطن وعواصم أخرى تفيد ان نظام الرئيس بشار الأسد قلق جداً من تطور العمليات العسكرية التي تنفذها أميركا ودول عربية حليفة لها ضد مراكز ومنشآت وقيادات “داعش” وتنظيمات مسلحة متشددة أخرى في سوريا، وان هذا القلق مرده الى العوامل الأساسية الآتية:

أولاً – أرسلت إدارة الرئيس باراك أوباما تحذيراً رسمياً مباشرة ومن طريق دولة ثالثة الى الأسد تطلب فيه الامتناع عن عرقلة مهمة أميركا وحلفائها وتهدده بقصف وتدمير شبكات الدفاع الجوي السورية وأجهزة الرادار المرتبطة بها ومواقع عسكرية أخرى إذا حاول نظامه التصدي لها والدخول في مواجهة معها. واطلع الأسد المسؤولين الروس على مضمون هذا التحذير فنصحوه بالاستجابة للمطالب الأميركية مما جعله يصدر تعليمات الى القيادات العسكرية بـ”إطفاء” أو وقف العمل بأجهزة الرادار المرتبطة بالدفاعات الجوية والامتناع عن القيام بأي نشاطات تدفع الأميركيين الى مهاجمة المنشآت العسكرية السورية.

ثانياً – شكلت هذه العمليات العسكرية رسالة واضحة الى نظام الأسد وروسيا وإيران وجهات أخرى مفادها ان أوباما ليس رئيساً ضعيفاً يرفض نهائياً اللجوء الى الخيار العسكري، بل انه مستعد لاستخدام القوة العسكرية في سوريا وإقناع دول صديقة بمساندته عندما يرى ان المصالح الأمنية والحيوية لأميركا وحلفائها مهددة جدياً من المتشددين والإرهابيين أو من أطراف آخرين، ويمكنه أن يكرر ذلك في دول أخرى. واستناداً الى مسؤول أوروبي بارز فإن أوباما أراد أن يبعث برسالة ضمنية الى القيادة الإيرانية مفادها انه مستعد لمهاجمة المنشآت الحيوية والنووية الإيرانية إذا فشلت المفاوضات بين مجموعة الدول الست وطهران ورفض الإيرانيون تقديم تنازلات جوهرية تضمن سلمية برنامجهم النووي وواصلوا نشاطاتهم الهادفة الى امتلاك السلاح النووي. ذلك ان أميركا ترى ان امتلاك إيران السلاح النووي يشكل تهديداً خطيراً لمصالحها الحيوية ولمصالح حلفائها.

ثالثاً – أدرك الأسد ان حلفاءه الأساسيين ليسوا مستعدين للدخول من أجله في أي نوع من المواجهة والصدام مع أميركا. فقد انتهك الأميركيون وحلفاؤهم سيادة سوريا ونفذوا وينفذون هجماتهم الواسعة النطاق من غير الحصول على موافقة مجلس الأمن ورفضوا قيام أي تنسيق أو تعاون مع نظام الأسد أو إشراكه في التحالف الدولي ضد الإرهاب على رغم ان الروس والإيرانيين طلبوا منهم ذلك. واكتفى الروس بالاحتجاج اللفظي وواصل الإيرانيون محادثاتهم مع الأميركيين متجاوزين أحداث سوريا.

رابعاً – يرفض الأميركيون تحديد جدول زمني لهذه العمليات بل يرددون انها يمكن أن تطول وتتواصل أشهراً عدة. وهذه العمليات ليست محددة ضمن إطار قانوني معين أو ضمن نطاق مهمة واضحة متفق عليها في مجلس الأمن وتقتصر على محاربة “داعش” والتنظيمات المشابهة والإرهابيين بل يمكن أن تذهب أبعد من ذلك وتشمل أهدافاً أخرى في سوريا بذريعة حماية الأمن والاستقرار في المنطقة. ويتخوف الروس من أن يستغل الأميركيون وحلفاؤهم الحرب على الإرهاب في مرحلة لاحقة من أجل ممارسة ضغوط عسكرية جدية كبيرة ومباشرة وغير مباشرة على نظام الأسد لتغيير هذا النظام في إشراف دولي – إقليمي من أجل القضاء فعلاً على المتطرفين والإرهابيين.

خامساً – يشعر الأسد بقلق جدي أيضاً من مشاركة دول عربية وإقليمية معادية كلياً له في العمليات ومن التنسيق العسكري والعملاني القائم بين دول الائتلاف وقوى المعارضة السورية المعتدلة. فهذا التطور يشكل ضربة قاسية للأسد ويتناقض مع حساباته ورهانه على قدرته على إلصاق تهمة الإرهاب بجميع المعارضين له والتحالف مع أميركا ودول مؤثرة أخرى من أجل القضاء عليهم والخروج من عزلته الواسعة. لكن العكس تماماً حدث، ذلك ان المعارضة السورية المعتدلة باتت شريكاً حقيقياً للأميركيين في هذه المعركة وهي تملك قنوات اتصال مباشرة مع البيت الأبيض ووزارتي الخارجية والدفاع الأميركيتين وقد التزم أوباما علناً ورسمياً العمل مع حلفائه على تعزيز القدرات العسكرية والقتالية لهذه المعارضة وتمكينها من مواصلة الحرب ضد المتشددين والنظام السوري في وقت واحد. وهذه كلها أخبار سيئة بالنسبة الى الأسد ونظامه.