الناظر إلى الأوضاع في سوريا يلاحظ أمرين. الأول، جهود كثيرة تبذلها جهات دولية لفتح باب الاتصال بين رئيسها بشار الأسد و”المعارضات” التي تواجهه سواء بالسياسة أو بالعنف، وذلك من أجل التوصل إلى اتفاق على حلّ سياسي للأزمة – الحرب السورية. والثاني، جهود أخرى كثيرة تبذلها جهات دولية من أجل تغيير ميزان القوى على الأرض أو تعديله. ويلاحظ هؤلاء ايضاً انطلاقاً من ذلك التناقض التام بين نوعي الجهود المبذولة وأهدافهما، وصعوبة النجاح في وضع سوريا على سكة التسوية السياسية. ويستنتجون في النهاية أن التعقيدات المشار إليها أعلاه، وأخرى غيرها آتية من الجهتين المتصارعتين بالأصالة عمن يمثل كل منهما، وبالوكالة عن جهات دولية وإقليمية هدفها الأول الدفاع عن مصالحها المتناقضة. ويعني ذلك الرئيس الأسد ونظامه من جهة، وتنظيم “داعش” وأمثاله المتطرفين “إسلامياً” حتى العنف والتكفير.
كيف يمكن إظهار مسؤولية النظام السوري المشار إليها؟
تفيد معلومات وتحليلات مركز أبحاث عربي جدّي أن المسؤولين الروس حمّلوا السعودية مسؤولية إحباط أي تسوية سياسية للوضع السوري في أثناء زيارة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان الى موسكو. وتفيد أيضاً أن الأمير أكد لهؤلاء، وفي مقدمهم الرئيس فلاديمير بوتين، أن بلاده مستعدة للذهاب بعيداً بحثاً عن تسوية كهذه. فسأل بوتين إذا كان الاستعداد يصل إلى حد الاجتماع بمسؤولين سوريين؟ أجاب الأمير: “نعم شرط أن تكون روسيا مشاركة في الاجتماع”. وتفيد ثالثاً، أن اتفاقاً تمّ بعد الاجتماع على توجّه ميخائيل بوغدانوف نائب وزير الخارجية الروسي من موسكو، ورئيس المخابرات السورية علي المملوك من دمشق إلى السعودية لعقد “الاجتماع الثلاثي”. تمّ ذلك أواخر شهر تموز الماضي. وتفيد المعلومات نفسها رابعاً، استناداً إلى مصادر سعودية، أن المملوك طلب من السعوديين وقف مساعدتهم لـ”المعارضة السورية”. فأجابوا أنهم “مستعدون لذلك إذا أوقفت إيران و”حزب الله” مساعداتهما للنظام”. وتفيد خامساً أن دمشق رفضت الطلب السعودي، وأُعلن فشل “الاجتماع الثلاثي” ولكن في صورة غير رسمية، أي عبر وسائل الاعلام وبتسريبات معلوماتية. وتفيد سادساً، أن دمشق هي التي سرّبت خبر الاجتماع إلى دول مجلس التعاون الخليجي أولاً عندما طلبت إذناً لطائرة المملوك بالهبوط في مطارها في طريقها إلى جدة. وهدفها كان زرع الشك في السعودية التي تقوم بتحرّك لا يعلم به شركاؤها في “المجلس”. ثم سرّبته إلى وسيلة إعلام لبنانية مع خلاصة قصيرة تفيد أن المملكة تدرك أن مشكلة الإرهاب هي سيف ذو حدّين، وأنها على استعداد للتفاوض مع الأسد.
لماذا سرّبت سوريا النظام خبر الاجتماع؟
ليست هناك معلومات تجيب بدقّة عن هذا السؤال. لكن تحليلات المركز البحثي العربي الجدّي نفسه تشير إلى احتمالين. الأول، اقتناع الأسد بأن الحل السياسي سيكلّفه في النهاية موقعه وسلطته، والثاني، وهو احتمال قاومه الرئيس السوري طويلاً، يقضي ببدء تنفيذ الخطة “باء” أي الانكفاء إلى منطقته حيث “مؤيّدوه” كثيرون، والعمل للاحتفاظ بمناطق أخرى طالما وجد إلى ذلك سبيلاً. وهي تنطلق في الاحتمالين من خشية الأسد أن توافق حليفته إيران على تسوية سياسية يتنحّى بعد تنفيذها، إذا نجحت في المحافظة على أهدافها الاستراتيجية ومنها “كوريدور” يبقي الرابط المفترض مع “حزب الله” اللبناني. طبعاً لا يعتقد قريبون من النظام السوري أن الخشية المذكورة موجودة. لكنهم يؤكدون في حال وجودها أن حجمها صغير جداً ولن تكون لها آثار في قراراته والخيارات، علماً أن معارضين له لا يستبعدون إقدام إيران، التي لا تنظر إلى الأسد من منطلق شخصي، على التخلّي عنه وليس عن “شعبه”، ولا سيما إذا تلاقت ضغوط شعبية ومعارضة سياسية ومعارضة عسكرية وموقف دولي موحّد على قبول تسوية على حسابه. وفي أي حال لا يبدو الإيرانيون محشورين هذه الأيام. فعلى الصعيد الدولي ارتاحوا بعدما أغلقوا الملف النووي لبلادهم باتفاق تاريخي مع مجموعة الـ 5+1. وعلى الصعيد الإقليمي لا يزالون يقاتلون وإن من موقع دفاعي. والدول الكبرى “الدولية” والإقليمية في حاجة إليهم، كما إلى غيرهم، لوقف تداعيات الإرهاب على الجميع.
ماذا عن مسؤولية “داعش” في إحباط الحل السياسي للأزمة – الحرب السورية؟