Site icon IMLebanon

ديموقراطية الأسد وخصومه

لا تناقض بين إجراء النظام السوري انتخابات مجلس الشعب في المناطق التي يسيطر عليها وبين دعوة نائب وزير الخارجية فيصل المقداد السوريين المعارضين الى التخلي عن أحلام المشاركة في حكومة انتقالية وتشديده على أن رحيل بشار الأسد «لن يحصل اليوم ولا غداً ولا ابداً».

اختصر المقداد في مقابلته مع وكالة «اسوشييتد برس»، وعلى طريقة «خذوا أسرارهم من صغارهم» مجمل تصور النظام لمستقبل الحل في سورية ومن ضمنه مصير مفاوضات جنيف. فلا حل في غير ميدان القتال الذي يقترب من انفجار جديد مع لفظ الهدنة أنفاسها الأخيرة. يأتي ذلك في الوقت الذي كان الأسد يصور الانتخابات كرد ديموقراطي وجّه «ضربة قوية الى الإرهاب».

اذاً، الديموقراطية، بهذا المعنى لا تعني الشراكة في السلطة حتى لو كانت انتقالية مفتوحة على احتمالات شتى ولا تغييرها، حكماً. بل هي عودة الى جمهورية الأبد الأسدي بعد نصف مليون قتيل وملايين الجرحى واللاجئين ودمار سورية مجتمعاً ودولة. غني عن البيان ان لا المقداد ولا من هم من صفه، بقادرين على وقف المسار الذي فتحته الثورة السورية في التغيير الجذري الذي مرت به البلاد وانهى عملياً جملة من الأسس التي صورها الأسد وبعثه واستخباراته على انها أقدار لا رادّ لها.

بيد أن حطام نظام الأسد لا يعني أن الطريق معبد نحو حكم اكثر عدلاً، في الجوانب التمثيلية والاجتماعية يرتكز على حكم القانون، وأن تحقيق هذه الآمال بات في متناول اليد. من أسف أن الأمر يكاد يكون عكس ذلك.

هجاء الديموقراطية المقذع الذي يصدر عن أمراء الجماعات الإسلامية المسلحة من سوريين ومن «جهاديين» عرب وأجانب، ينطوي الى جانب ظاهره المندد باتهام الديموقراطية «بانتزاع حق التشريع من الخالق ومنحه للمخلوق» وبالترويج للانحلال وإفساد الأمة وما شاكل، ينطوي على احتقار لأفكار المساواة والعدالة والقانون ويحتكر الحق في توزيع الخير العام على من يحتكر الحق في تأويل النص المقدس وفي تفسيره وهو في الحالة المعطاة ليس سوى أمير الجماعة المسلحة.

الاحتجاجات التي شهدها عدد من المناطق السورية المحررة على الممارسات القمعية لـ «جبهة النصرة» ومن يشبهها وإدراك المتظاهرين العميق أن هذه الممارسات تعبر عن عداء جذري للقيم التي قامت الثورة في المقام الأول من أجلها، لا تعني على أهميتها أن القوى المعادية للاستبداد بوجهيه «القاعدي- الداعشي» و «الأسدي- البعثي» قد صاغت تصوراً ناضجاً لشكل الحكم الذي ينبغي ان يقوم في سورية في مستقبل قريب.

ذلك أن عدداً لا يستهان به من ممثلي المعارضة تبنى مواقف شديدة الخطر حيال المسألة الكردية، على سبيل المثال، في حين لم يتخلَ بعض أبرز الكتاب المعارضين من اعتبار وظيفة صندوق الاقتراع نقل السلطة الى الغالبية العددية والسياسية، وهذا ما لا يكفي في مجتمع متعدد ومركب مثل المجتمع السوري لضمان سلامة التمثيل الديموقراطي.

وإذا كان الأســد والمقداد وأشباههما يصرحون بعدائهم الناجز للشراكة في السلطة، فإن على قوى المعارضة تطوير مقــاربة أكثر واقعية وعدالة، في الوقت ذاته، تأخذ في الاعتبار الدروس المريرة التي مرت بها سورية في الاعوام الخمسة الماضية. وهذه دروس تبدأ بالاعتراف بتعقيد وتعدد مســتويات أشكال الحكم التي يتطلبها بناء مستقبل سلمي لهذه البلاد.