“السوريون يريدون تدخلاً سياسياً دولياً اقليمياً حازماً وضاغطاً من أجل فرض مشروع حل شامل لازمتهم ينقذهم من معاناتهم الرهيبة ويبني سوريا الجديدة”. هذا ما ابلغه باختصار مبعوث الأمم المتحدة ستيفان دو ميستورا الى المسؤولين الاميركيين والروس والى جهات غربية أخرى، ناقلاً اليهم حصيلة مشاوراته المكثفة مع مجموعة كبيرة من السوريين، وأضاف: “لن يستطيع السوريون حل أزمتهم ووقف الحرب الداخلية – الاقليمية – الدولية على أرضهم بأنفسهم. والرهان على ذلك خاطئ ويقود الى طريق مسدود والى مواصلة القتال والتدمير. وترك القرار في أيدي السوريين يعني تخلي الدول البارزة عن مسؤولياتها. وقد أجريت طوال اشهر مشاورات مع 230 مجموعة سورية ينتمي أعضاؤها الى المعارضة والنظام والى قوى مستقلة وهم أجمعوا على القول إنهم عاجزون وحدهم عن إنجاز تفاهمات مشتركة تضع حداً للصراع، وشددوا على أن من الضروري ان تتفق الدول الخمس الكبرى والقوى الاقليمية المعنية بالامر والمجتمع الدولي عموماً على مشروع مشترك جدي للحل والعمل على اقناع الافرقاء السوريين بتنفيذه في اشراف الأمم المتحدة وبمساعدتها من أجل الانتقال من مرحلة الحرب الكارثية إلى مرحلة الاستقرار والسلام وإعادة البناء”.
هذه المعلومات أطلعنا عليها مسؤول دولي في باريس معني بالملف السوري، وقال: “لقد حصل دو ميستورا على تفويض اميركي – روسي – اقليمي – دولي واضح من أجل التباحث مع ممثلي النظام والمعارضة والافرقاء المعنيين تمهيداً لاطلاق عملية تفاوض جديدة ترتكز على بيان جنيف المؤرخ 30 حزيران 2012 الذي يدعو إلى انتقال السلطة الى نظام جديد وعلى بيان فيينا الأخير. وهذا ما أكده دو ميستورا نفسه علناً في موسكو، وهذا التوجه يعني ان العملية السياسية التفاوضية الجديدة تهدف إلى انجاز الخطوات الأساسية الآتية:
أولا – إنهاء دور الحكومة السورية الحالية وتشكيل حكومة جديدة في اشراف الامم المتحدة وليس في اشراف الرئيس بشار الاسد وعلى أساس التفاوض وتقاسم السلطة بين ممثلي النظام والمعارضة السورية الحقيقية وتكون “ذات صدقية وشاملة وغير طائفية” استناداً إلى نص بيان فيينا الذي وافقت عليه كل الدول المعنية بما فيها روسيا وإيران.
ثانياً – تتولى هذه الحكومة التي تضم ممثلين للنظام والمعارضة السلطة موقتاً وتعمل على وضع دستور جديد وإجراء انتخابات نيابية ورئاسية تعددية.
ثالثاً – تجري هذه الانتخابات “الشفافة والحرة والنزيهة” في اشراف الامم المتحدة وبالتفاهم مع الحكومة الجديدة ويشارك فيها جميع السوريين بمن فيهم المهاجرون والمقيمون خارج البلد.
رابعاً – يسبق هذه الخطوات العمل الجدي على تنفيذ وقف النار في كل انحاء سوريا من اجل ضمان نجاح عملية انتقال السلطة الى نظام جديد تعددي يحقق التطلعات والمطالب المشروعة لكل مكونات الشعب استناداً الى نص بيان جنيف.
خامساً – تناقش الدول المؤثرة ضمن نطاق هذه العملية السياسية مسألة مصير الأسد بطريقة تساعد على ضمان انتقال السلطة الى نظام جديد وانقاذ سوريا من الجحيم.
وأوضح المسؤول الدولي ان المعلومات التي تلقتها باريس وواشنطن وعواصم أخرى من دمشق ومن مقربين من النظام تفيد “ان هذه التطورات وتفاهمات فيينا أحدثت “صدمة حقيقية” لدى القيادة السورية اذ انها تتناقض كلياً مع توجهات النظام وترفض موقفه الداعي الى مناقشة الحل السياسي بعد القضاء على الارهابيين اي على جميع الثوار والمعارضين استنادا الى مفهوم الأسد. وهذه التفاهمات تهدف اساساً الى تنفيذ “مشروع قاتل” للأسد ينهي حكمه بتركيبته القائمة، وان المطلوب دولياً واقليمياً من الرئيس السوري التعاون مع دو ميستورا والدول المعنية من اجل انهاء نظامه ومساعدة خصومه وحلفائه على إقامة تركيبة جديدة للحكم يختارها السوريون في اشراف الأمم المتحدة للمرة الاولى في تاريخ سوريا منذ أكثر من خمسين سنة”.
وشدد المسؤول الدولي على مسألة مهمة هي “ان القيادة الروسية لن تستطيع أن تنسق مع ايران مشروع نقل السلطة الى نظام جديد وتحوله مشروعاً لابقاء الأسد في الحكم والحفاظ على نظامه لأنها شاركت في انجاز تفاهمات فيينا وجنيف، ولأن ذلك يعني نهاية العملية التفاوضية والحل السياسي وتواصل الحرب. وضمن هذا النطاق قال وزير الخارجية الاميركي جون كيري لزميله الروسي سيرغي لافروف: “إن الاعتقاد ان الاسد هو الشخص الوحيد الذي يستطيع انقاذ سوريا بعد كل ما فعله بالبلد وبشعبه وهم كبير بل اسطورة. الواقع انه ليس ممكناً وقف الحرب وإعادة إحياء وبناء سوريا ما دام الأسد في الحكم”.