IMLebanon

الأسد والمهمة المستحيلة

من حقيبة “النهار” الديبلوماسية

مسؤول أوروبي بارز معني بشؤون المنطقة لخص الوضع الخطير في سوريا فقال: “يحاول الرئيس بشار الأسد إنجاز مهمة مستحيلة هي تحويل هزائمه مكاسب تضمن بقاء نظامه، لكنه يصطدم بالحقائق القاسية وهي انه خسر المواجهة مع الثوار والمعارضين ومع تنظيم “داعش” الذي سيطر على مناطق واسعة وان حربه قادت الى تفكيك الدولة ومؤسساتها وأنهت دور الجيش كقوة حامية للوطن والشعب وألحقت الكوارث والدمار والخراب بالبلد وشرّدت أكثر من12 مليون سوري في الداخل والخارج وأنهت سوريا التي يعرفها العالم. هزائم النظام هي أيضاً هزائم حلفائه الروس والإيرانيين واللبنانيين والعراقيين العاجزين عن حمايته من السقوط وهم يصطدمون بجبهة صلبة تضم دولاً غربية وإقليمية مؤثرة قدمت أخيراً الى جهات دولية العرض الآتي: إما التعاون معاً من أجل وقف الحرب على أساس رحيل الأسد والمرتبطين به وقيام نظام جديد تعددي يضمن الحقوق المشروعة للغالبية وللأقليات وإمّا ترك الأسد يدمر ذاته وما تبقى من بلده فيخسر مع حلفائه في النهاية وتتعاظم المأساة السورية غير المسبوقة”. وأوضح المسؤول الأوروبي ان عوامل أساسية تجعل مهمة الأسد مستحيلة أبرزها الآتية:

أولاً – لن يستطيع الأسد إنجاز الخطوة الأولى في عملية بناء سوريا التي يريدها لأنه أثبت عجزه مع حلفائه عن استعادة البلد وفرض سيطرته مجدداً عليه والقضاء على الثورة الشعبية.

ثانياً – لن يستطيع الأسد وقف الحرب من طرف واحد ومحاولة إدارة البلد كما يريد لأن هذا القرار لن يوقف الثورة بل انه يعني اعترافاً منه بالهزيمة واستسلاماً لخصومه في الداخل والخارج الأمر الذي يؤدي الى سقوط النظام.

ثالثاً – أثبتت الأحداث والتطورات أن الأسد لا يملك القدرات والإمكانات الضرورية والكافية ليفرض شروطه على خصومه وتقبل بقائه وبقاء نظامه إذ ان الثوار والمعارضين يملكون إرادة الصمود والتصميم على خوض حرب استنزاف طويلة ضده بقطع النظر عن التضحيات الهائلة وهم يتلقون دعماً عربياً وإقليمياً ودولياً في مجالات عدة من أجل مواصلة القتال وإنهاك النظام ومنعه من تحقيق الحسم في أقل تقدير. وقد فشلت كل محاولات الأسد وحلفائه لإحداث ثغرة في جدار الموقف الدولي – الإقليمي الداعم للثوار والمعارضين وإضعاف هذا الموقف.

رابعاً – أغلقت الدول الإقليمية والغربية البارزة والمؤثرة تماماً أبواب الحوار والتفاهم مع الأسد وهي ترفض أي حل وسط معه وتتمسك بضرورة رحيله وإنهاء حكمه وقيام نظام جديد مختلف جذرياً عن نظامه. وتدرك هذه الدول انها في موقع قوة من جهة لأن البلد يتفكك ويتفتت في ظل حكم الأسد الذي فشل في الحفاظ على بلده موحداً ومتماسكاً، ومن جهة ثانية لأن حلفاءه الروس والإيرانيين عاجزون وحدهم عن حماية هذا النظام من السقوط وعن إيجاد حل سياسي للأزمة من غير التعاون مع أميركا والدول المعادية للرئيس السوري الأمر الذي يقود الى نهايته.

خامساً – تواصل الحرب لن ينقذ نظام الأسد ولن يحقق أهدافه بل يدفعه أكثر فأكثر الى الانهيار والتفكك ثم الى السقوط. ووقف الحرب يتطلب توافق الأفرقاء المعنيين في الداخل والخارج على صيغة مشتركة. والصيغة الوحيدة الواقعية والمناسبة لحل الأزمة التي تقبلها كل الدول المعنية والقوى المعارضة الأساسية ويرفضها الأسد والإيرانيون هي صيغة بيان جنيف المؤرخ 30 حزيران 2012 والذي تبناه مجلس الأمن رسمياً وأكدت الأمم المتحدة مجدداً ضرورة تطبيقه كاملاً. ويرسم بيان جنيف خريطة طريق واضحة لوقف الحرب وحل الأزمة في سوريا تتضمن خصوصاً نقل السلطة الى نظام جديد وتعددي ديموقراطي من طريق تشكيل هيئة حكم إنتقالي تضم ممثلين للنظام وللمعارضة الحقيقية وتمارس السلطات التنفيذية الكاملة وتخضع لها الأجهزة العسكرية والأمنية وباقي مؤسسات الدولة وتنفذ عملية إجراء الإنتخابات التعددية الحرة ونقل السلطة الى نظام جديد.

وخلص المسؤول الأوروبي الى القول: “هذه العوامل الأساسية تظهر ان مهمة بناء سوريا مجدداً في ظل حكم الأسد مهمة مستحيلة. فالأسد بات أسير حرب فجرها بقرار منه لكنها أفلتت من قبضته ولم يعد قادراً مع حلفائه على التحكم بمسارها وتحقيق إنجازات حاسمة فيها وإنهائها في الوقت الذي يريده. ويمكن القول إن الأسد رجل الحرب الخاسرة لن يستطيع أن يكون رجل السلام والبناء لأنه يرفض شروط السلام الحقيقي ومتطلبات بناء البلد وإعماره وأبرزها قيام نظام جديد يوقف القتل ويوحد الشعب ويحقق السلم الأهلي ويطمئن السوريين جدياً وبالأفعال الى مصيرهم ويضمن الحقوق المشروعة للغالبية وللأقليات معاً ويعيد المشرّدين والنازحين الى ديارهم بعد إعادة إعمار سوريا. ورضوخ الأسد وحلفائه للوقائع والحقائق الصلبة هو الذي يوقف الحرب ويساعد على بناء سوريا الجديدة”.