بدأت الرحلة رقم 2254. سواء صعد كل السوريين في «القطار» أم لم يصعدوا. ما رُسم قد رُسم. المشكلة في المدة وفي الثمن. لا شيء يضمن التنفيذ حسب الوقت المرسوم. لا أحد يعرف الثمن النهائي حتى الوصول الى «محطة» الحل النهائي. الأمر المؤكد، أن كثيرين سيسقطون من «القطار»، إما لخفة «وزنهم»، أو لأنهم أضاعوا «البوصلة»، أو لأنهم استخفوا بأهمية وثقل فريق العمل. الاتفاق على انطلاق الرحلة رقم 2254 تمَّ لأن إجماعاً، وإن كان ناقصاً في حيثياته وقع نتيجة للخطر الذي بدأ يمثله ترك «الملعب» السوري طوال أربع سنوات مفتوحاً لكل من أراد دخوله، ولأن العديد من «الأوبئة« خصوصاً وباء التطرف «الداعشي» قد اقتحمه أولاً ويعمل على نقل مفاعيله الى العالم.
أسوأ ما في هذا الاتفاق، أن مدة «الرحلة» عامان وأن لا شيء يمنع ايقاف «ساعة الرمل» على حساب السوريين أولاً والعالم ثانياً. الأسوأ، أن الرئيس بشار الأسد باقٍ على حساب الشعب السوري طوال هذه الفترة، دون التأكد من تنفيذه لشروط «الرحلة»، لأن من مصلحته إطالة مدة وجوده في دمشق ولو فوق تلال جديدة من جماجم السوريين.
هذا الاحتمال الكبير، لم يكن ليحصل لولا ثلاثة أشخاص بالتكافل والتضامن حتى لو كانوا يتنافسون ويتزاحمون.
*الرئيس باراك أوباما، لعب لما يعتقد مصلحة الولايات المتحدة الأميركية، فترك الجميع يتقاتلون ويتذابحون أما هو فاكتفى بلعب دور «الحَكَم» الذي يسجل الأهداف والأخطاء. قاد أوباما واحدة من أخطر حروب أميركا دون أن يدفع دولاراً ولا خسارة جندي واحد. الآن يواجه أوباما مشكلة طارئة لكنها «كبيرة ومكلفة»، الوباء «الداعشي»، كسر الحدود السورية وكذلك العراقية معاً وهو يضرب العالم بقوة، وقد اقتحم «قلب« أميركا ومن الممكن أن تكون ضرباته أقسى وأرهب، بحيث إن إرهاب «القاعدة» لن يكون أكثر من «لعبة« بسيطة أمام إرهاب «داعش».
إذا حافظ أوباما على «حظه» كما هو حتى الآن، فإنه سيغادر البيت الأبيض بعد عام من الآن، دون أن يغرقه إرهاب «داعش» في الذاكرة الشعبية الأميركية أكثر مما حصل في 11 أيلول 2001 مما سيجبره أو خليفته على دق طبول حرب هي الأخطر والأوسع والأشمل.
*فلاديمير بوتين، تمتزج في شخصه كل «الأحلام القيصرية»، وبإرادة تغيير النظام الدولي، واستعادة عظمة روسيا ولو على حساب دماء الآخرين، سواء في سوريا أو أوكرانيا.
«القيصر» يلعب الشطرنج بالأحياء، وببراعة حتى الآن. يضرب بلا رحمة، ويتحالف بلا قواعد أخلاقية. في سوريا، أصبح هو «القائد« الذي لا يقف أمام تحقيق هدفه المدنيون ولا حتى الجنود من حلفائه. أمس أعلن أنه قادر على التفاهم مع واشنطن حول مسارات المواجهات في سوريا ومع إيران وسوريا، وهو، ميدانياً، تقاتل «آلته الحربية»، مع «الحرس الثوري» ولكن لا شيء يمنعه من التفاهم الى درجة التحالف مع إسرائيل وسط صمت كامل من «المرشد» و«حزب الله«.
*المرشد آية الله علي خامنئي. سوريا هي «المربع الأول« لـ«الحرب الخامنئية» في المنطقة، والأسد خط أحمر ممنوع إسقاطه، أو كسره. من أجل الأسد، قبل إسقاط احتكار إيران للحالة السورية وبالتالي لمستقبلها. «القيصر» أصبح شريكاً أساسياً للمرشد وقد يضطر الأخير الى تقديم المزيد من التنازلات.
يريد المرشد الإسراع في حسم الوضع في سوريا، لأنه إذا كان أوباما ستنتهي ولايته عملياً عشية 4 نوفمبر من العام القادم، فإن الأمر بالنسبة للمرشد «الأعمار بيد الله» أولاً وثانياً لأن الانشطار الداخلي الحاد والعميق بين القوى السياسية الإيرانية أصبح منظوراً وهو يزداد تبلوراً مع اقتراب الانتخابات التشريعية والخبراء في 26 شباط 2016، الى درجة أن الموقف من التحالف مع روسيا لم يعد موحداً. في الوقت الذي يتضرع خطيب الجمعة الشيخ محمد علي موحدي كرماني الذي اختاره المرشد ليمثله، الى الله لتنجح ضربات روسيا» فإن «مركز الدراسات الدبلوماسية الإيرانية« يعلن «أن التحالف مع روسيا يهدد المصالح الإيرانية ليس في سوريا فقط وإنما في المنطقة كلها». أما موقع «سحام نيوز» القريب من الشيخ مهدي كروبي (الموضوع في الإقامة الجبرية منذ فشله أو إفشاله في انتخابات 2009) فقد كشف «ان الطيران الروسي ضرب قوات للحرس الثوري وهي تستعد لأخذ طريق دمشق تدمر لمحاصرة داعش». وفي كل ذلك بداية وليس نهاية.
أما الشيخ هاشمي رفسنجاني الذي ترشح رسمياً لـ»مجلس الخبراء« مع حليفيه السيد حسن أحمد الخميني والرئيس حسن روحاني فيقول: «ان القرار الأممي الأخير حول سوريا إيجابي».
خلال الرحلة الطويلة رقم 2254، لا يمكن إلا أن تقع مفاجآت وأن تنفجر ألغام منظورة وغير منظورة، خصوصاً أن مستقبل بشار الأسد ما زال معلقاً على اتفاق الجميع على وجوده. الأمر المؤكد فقط أن مأساة الشعب السوري ستستمر وستتصاعد دون أن يكون له الحق أكثر من الهجرة في رحلات الموت عبر البحار!