Site icon IMLebanon

الأسد يستبق «إثنين الهدنة» بـ«أحد الغزوة»

مساء الأثنين الفائت، تم الإعلان عن هدنة عسكرية في سوريا، بين النظام السوري وعدد من الفصائل السورية المُسلحة، وذلك ضمن إتفاق اميركي روسي، قضى بتوقيف الحرب لفترة غير مُعلنة تتضمّن امتناع النظام السوري عن القيام بأي اعمال قتالية في المناطق التي تتواجد فيها المعارضة المعتدلة بالإضافة إلى وقف كل عمليات القصف الجوي التي يقوم بها في مناطق اساسية سيتم تحديدها. كما تقضي الهدنة بمنع الطرفان عن شن هجمات وعن محاولة إحراز تقدم على الارض. لكن، ما يحصل اليوم هو ان نظام الأسد، لم يُطبّق بنود الإتفاق، إذ أن قذائفه وصواريخ طائراته، ما زالت تتساقط على الامنين في العديد من المناطق مثل أرياف العاصمة «دمشق» و»حلب» و»إدلب» و»القُنيطرة».

لا تعني الهدنة بأن الحرب قد انتهت، إنما هي مُعاهدة تهدف إلى وقف الأعمال العدائية لفترة زمنية مُحدّدة بين الأطراف المتنازعة، وذلك لأهداف مُتعددة منها: نقل المُساعدات الإنسانية إلى المدنيين المُحاصرين، وأيضاً نقل القتلى والجرحى من ميدان المعركة، وفي بعض الأحيان تكون الهدنة بمثابة «الخرطوشة» الاخيرة لإنهاء الحرب المُشتعلة. هذا في ما يتعلق بالجيوش النظامية التي تتقيّد بالقوانين والمعاهدات الدولية، أمّا عندما يتعلق الأمر بنظام بشّار الأسد، عندها يُصبح الحديث عن ميليشيا لا عن جيش، ميليشيا تُمارس فعل التشبيح والتنكيل والإجرام، ميليشيا لا تُميّز بين بين «عدو» في الميدان، وبين طفل آمن في حضن أمه.

قبل يومين من دخول الهدنة حيّز التنفيذ، نفّذ جيش الإجرام والقتل، مجموعة مجازر بحق المدنيين وتحديداً الأطفال في أكثر من بلدة سوريّة على رأسها مدينة «داريّا»، حتّى أنه استغل الوقت حتّى ساعاته الاخيرة، ليرمي براميل حقده المُمتلئة بأنواع من السموم القاتلة والفتّاكة منها غاز «الكلور» الذي كان للأطفال النصيب الأكبر من استنشاقه. فعل الإجرام هذا، أعاد إلى الأذهان المجازر التي كان نفّذتها طائرات العدو الإسرائيلي في بيروت والضاحية والجنوب والبقاع، وذلك قبل يوم واحد من الدخول في هدنة، دعت اليها دول عربية وأوروبية.

صور ومشاهد تقشعرّ لها الأبدان هزّت العالم بأسره. أطفال لا تتجاوز أعمارهم عمر الحرب السوريّة التي اشتعلت منذ خمسة اعوام تقريباً، كانوا هم الحدث كما جرت العادة، في العديد من المناطق والبلدات في سوريا، بعدما تحوّلوا إلى هدف متنقّل لمروحيّات النظام القاتل والتي تتفنّن في عمليات قتلهم وترويعهم، وهذه المرّة عن طريق قصفهم بمادة غاز «الكلور» السامة. 

بعد استخدامه السلاح الكيماوي وغاز السارين و»البراميل المُتفجرة، إستعاد النظام السوري جرائمه خلال الأيام القليلة الماضية بحق شعبه الذي كان وكعادته، على موعد مع الموت، لكن هذه المرّة عن طريق إبتكار جديد هو غاز «الكلور» الذي احتل أجساد الأطفال وعيونهم وسط صرخات كانت ترتفع من داخل المستوصفات والمستشفيات الميدانية. وحدهم حلفاء النظام، قد استسلموا كالعادة، إلى صمتهم، فلم يصدر عنهم حتّى اليوم، أي إدانة يُمكن أن تُعيد لأصحاب الأعمار والقلوب الصغيرة، بعضاً من ابتسامات وأحلام، تلوّنت بلون الدماء.

منذ أيّام، لم يسأل أطفال أحياء «حلب» وتحديدا حي السكري، «حزب الله» حليف النظام القاتل الأبرز، عن شربة ماء يروون بها عطشاً خلّفه غاز «الكلور» في حناجرهم ولا حتّى عن ترياق لعيونهم التي تورّمت، ولا سألوه أيضاً عن إنصافهم في الموت بعد التنكّر لهم في الحياة، بل كل ما توسلوه لا يتجاوز كلمة «الرحمة». طفل كان يسأل من حوله « يا رب أنا شو عملتلهن» وهو يتوسّل الأطباء بأن يُعيدوا النظر الى عينيه المتورمتين. طفل آخر في الموقع نفسه، كانت نظرات الخوف في عينيه وجسده الذي يرتجف من شدة الوجع ولحظات الحرب التي مرّت عليه، مشهدا يكفي للتأكيد على كلام لأحد أبرز قادة «حزب الله» أنه «لا يوجد في العالم حرب نظيفة».

وعلى خط الإجرام نفسه، كانت نفذت طائرات النظام بالتعاون مع طائرات روسية امس الأول، مجزرة مروّعة بعد استهدافهما سوقا شعبيا في «أريحا» بريف شمال «ادلب» بصواريخ أدت إلة استشهاد أكثر من خمسين مدنيا بينهم اطفال ونساء. هي هدية أرسلها النظام وحلفائه إلى الفقراء والمساكين ليلة الوقوف على جبل «عرفة»، رسالة مفادها، أن العيد ممنوع عليهم وأن الموت وحده هو ما يستحقونه في كل أيّامهم، فمقابر سوريا لا عطلة لديها والطريق إلى سماء مفتوحة في كل الأوقات. مواطن سوري كان يروي على احدى شاشات التلفزة اللحظات التي سبقت الغارات الجوية. «كان الجميع هنا، فقراء ومساكين يتبضعون ما تيسر لهم في هذا السوق الشعبي الرخيص. كانت أصوات الناس وضجيجها يملأ المكان، وإذ بأصوات الطائرات تُغطّي على أصوات الباعة، وفي لحظة من الزمن تحوّل المكان كلّه بركا من الدماء يملؤها الصمت.

وبالتزامن مع المجزرة، أعربت منظمة «حظر الأسلحة الكيميائية« عن قلقها من احتمال أن تكون أسلحة كيميائية قد استخدمت في حلب شمالي سوريا وتحديداً في حي السكري، حيث توفيت طفلة وأصيب العشرات بالاختناق بعد إلقاء مروحيات للنظام براميل متفجرة. وقال مدير المنظمة «نحن قلقون إزاء الاتهامات الأخيرة باستخدام عناصر كيميائية في حلب. إننا نتعامل بجدية كبيرة مع هذه الاتهامات». ويتساوى إجرام النظام السوري، مع الإرتكابات والممارسات الإجرامية التي يرتكبها تنظيم «داعش» وذلك بحسب تقارير رسمية تتضمن إفادات حيّة من قلب الأحداث لسُكّان في «حلب» و»إدلب»، وذلك بحسب تقارير لمحققين تابعين للأمم المتحدة أكدوا استخدام مروحيّات تابعة للنظام، غاز «الكلور» في محافظة «إدلب»، وكذلك اتهموا تنظيم «داعش» باستخدام غاز الخردل في بلدة «مارع» في محافظة «حلب» منذ فترة وجيزة.

ربما قد تكون هناك دواع عدّة منها سياسي ومنها عسكري وفي جزء كبير منها مصلحة مُشتركة، تتطلب من «حزب الله» السكوت عن كل أفعال ومجازر النظام التي يُمارسها بحق شعبه لا سيما الأطفال منهم، ومن حيث يدري أو لا يدري، فان الحزب قد انجر هو الاخر إلى هذه الممارسات من خلال عمليات القتل والتشبيح والتهجير والتنكيل، التي تُمارسها عناصره سواء بعلم قيادتهم أو من دون علمها. كما أن الصمت هذا، قد تحوّل إلى شراكة فعليّة لنظام 

بدت صورة إجرامه، واضحة للعالم بأسره. نظام لم يتوان مرّة عن التعبير عن إجرامه بأبشع الصور والاعتراف بقتله الآمنين في منازلهم في «الغوطة» و»دوما» و»حلب» و»إدلب»، والباحثين عن لقمة عيشهم في أماكن عملهم ورزقهم وحتّى في ملاجئهم.

وحدهم عناصر «حزب الله» والنظام السوري، يُشاهدون عن قرب حجم مأساة اجمعت المنظمات الحقوقية والانسانية على أنها الأسوأ في حروب العالم، وربما الأكثر ضرراً في نفوس عائلات تمنت الموت لأطفالها بدل أن تراهم يموتون من جرّاء تعرضهم الى أسلحة تفتك يأجسادهم الطريّة أو من الجوع والعطش، ومع هذا يُصرّ الحزب على أن لا شيء يحدث في سوريا وأن هناك اماكن فيها تُعتبر أكثر أمانا من أي بقعة اخرى، وان الأمور فيها على ما يُرام تماماً كما سبق له وأعلن بأن «ما في شي» في سوريا، يوم كان «بركانه» و»رعده» و»زلزاله» يغتالون الأبرياء والآمنين في منازلهم، ويوم كانت أسلحة النظام «الكيماوية» تحوّل أجساد الأطفال إلى الواح خشبية وإلى أرقام مُبعثرة على الأرض. واليوم تسقط الأقنعة عن وجوه أدار أصحابها ظهورهم لمجازر، سبق ان ادّعوا أن حربهم في سوريا هي لرد مثيلاتها عن شعبهم وأطفالهم، وإذ بهم يتحولون إلى شركاء في إرتكابها.

لا يريد «حزب الله« أن يقرأ واقع الأمور جيّداً، فعلى الرغم من كل هذه الفظائع، يُصرّ على وصف حربه في سوريا بـ»النظيفة»، وعلى اعطائها جملة مبرّرات تحت خانة «الإضطرارية» و»التكفيريين» و»الواجب»، لكنه لم يسأل نفسه يوماً، عن الظلم الذي ألحقه بأهالي هذا البلد بعدما شرّدهم ودمّر منازلهم وأحرق أرضهم. هذا كلّه يُسميه الحزب «إنتصارات» ويُصنفه ضمن خانة الحرب «العقائدية» التي تُمهّد ليوم «العدل. فأي عدل هذا الذي يقوم على جثث الأطفال واقتلاع أصحاب الوطن من أرضهم واستبدال بيوتهم بخيم خارج حدود وطنهم؟.

من مجزرة «الغوطة» التي ستبقى وصمة عار تُلاحق النظام السوري وحلفاءه، مروراً ببقيّة المجازر التي ما زالت تُرتكب في أكثر من مدينة ومنطقة، وبعضها يُمكن أن يلحقها الدور لأكثر من مرة وربما عشرة، يُمكن أن يتلخّص الوضع برمته في سوريا. ما يجري منذ العام 2001 يُمكن اختصاره بمعادلة كان شرحها والد طفل قُتل في مجزرة ارتكبها النظام وسط صمت لـ»حزب الله». المعادلة تقول: كيماوي وغاز السارين+ غاز الكلور والخردل+ براميل متفجرة وصواريخ + حصار ومنع الغذاء والدواء والغطاء + تهجير + تجاهل دولي = نهاية شعب حر، يموت وبيده راية النصر، وباليد الأخرى، راية الذل والموت للأسد وحلفائه.