IMLebanon

الأسد كـ «مبتدأ» للحل في سورية

 

 

جميع الأفكار التي باتت تطرح لمقاربة الأزمة السورية تنطلق من اعتبار بشار الأسد مبتدأ لسورية وثابت من ثوابتها، بل إن بعضها يذهب إلى حد التراخي عن الثوابت السورية، فذلك ليس له سوى أحد المعنيين، إما أن المعايير الدولية التي تُبنى على أساسها تلك المقاربات صارت مفارقة إلى حد بعيد للعرف السياسي الدولي، وإما أن الإدراك السياسي أصبح قاصراً لدرجة الارتباك في توصيف الحقائق وتقييم الوقائع.

طرحت ورقة الدول الخمس تصوراً، لحل الأزمة السورية، ضمن إطار دستوري، يمكن وصفه بالطرح المتقدم والمتماسك، والأهم من كل ذلك، يملك القابلية للتحقّق، على اعتبار أنه من سلالة الحلول التي جرى تطبيقها في أزمات قريبة من الأزمة السورية، على الأقل وفق تعريف العالم إياها بأنها حرب أهلية، وهو حل تدرجي، أو بعبارة أصح تفكيكي، لاعتماده أسلوب التعاطي مع التعقيدات البسيطة والتي ستنتج بذاتها حلولاً لمستويات التعقيد الأعلى من الأزمة.

غير أن هذا الطرح تراكبت فيه أخطاء استراتيجية وتكتيكية، ومنهجية وتقنية في آن، تضرب المزايا الإيجابية التي انطوى عليها، ولعل أول تلك الأخطاء، اعتبار بشار الأسد معطى نهائياً، بل قدرياً، وبالتالي حصر التغيير في إمكان تخفيف وزن هذا المعطى وتأثيراته المستقبلية على سورية.

على هذه الحال، يصح وضع هذا الطرح في خانة مبادرات التسوية، أكثر من وصفه بالإطار الدستوري، رغم اجتهاده التفصيلي، للفرق الكبير بين التكتيكي والآني الذي يتعاطى مع مبادرة لحل الأزمة، وبالتالي ينصب جل اهتمامه على محاولة الحصول على قبول الأطراف المختلفة والمتعارضة، وفتح ثغرة في جدار الأزمة، وبين الإستراتيجي، الذي يهدف إلى معالجة أسباب الأزمة واجتثاثها من جذورها.

ليست مشكلة سورية في النظام الرئاسي، الذي صرفت الورقة الخماسية جل طاقتها عليه، كما أن النظام الرئاسي ليس، بحد ذاته، مشكلة ينتج عنها توالد الأزمات، وفرنسا، التي خرجت الورقة الخماسية من عاصمتها باريس، يحكمها نظام رئاسي، وإذا كان المقصود من هذه العملية الذهاب إلى محاصصة طائفية فلماذا هذا الغموض والدوران، لماذا لا يجري الذهاب مباشرة من دون المرور عبر هذه المعارج التي لا تضمن في النهاية الوصول إلى نتيجة ناجعة؟ ثم ما المشكلة في تأكيد الحل الانتقالي الذي يمنح السوريين فرصة لتقرير مستقبل نظامهم السياسي؟

الخطأ الثاني يمكن وصفه بالخطأ التقني، ذلك أن الطرح بدأ بسقف منخفض، وهو السقف الذي وضعه الروس، ومحتواه أن بشار الأسد هو السقف والتفاوض يجري على ما دونه، فالملاحظ هنا أن التفاوض يتم على منصب رئيس الجمهورية، وبشار الأسد خارج هذا التفاوض، والمقصود هنا بشار الأسد المسؤول عن كامل تفاصيل الكارثة السورية، بل أنه وفقاً لذلك فإن الطرح يجترح مكانة جديدة للأسد أعلى من منصب الرئيس في سورية، وهو تحويله إلى رمز للأمة السورية وصانع لرئاساتها المستقبلية، وبالتالي محدّد لتوجهاتها، وليس من الصعب هنا اكتشاف درجة العجز الدولي عن التأشير إلى جذر الأزمة وحلها، وبدل ذلك الاضطرار إلى القيام بعملية طويلة ومعقدة تبدأ بتخفيض صلاحيات الأسد، ثم تجريب قدرة الأطر الجديدة على ملء المساحات التي سيتم انتزاعها من الأسد، ثم بعد ذلك يكون الرأي العام، افتراضياً، قد تحرر من سلطة الأجهزة السورية وتصبح لديه الجرأة على استبدال الأسد.

ولعل من بديهيات التفاوض أن يطرح كل طرف أعلى سقف ممكن، على اعتبار أن التفاوض مثل سلعة قابلة للمساومة بين البائع والمشتري، وليس هناك تفاوض في التاريخ خلا من المساومة، حتى في حالات التفاوض بين المنتصر والمهزوم في الحروب الكبرى، وبالتالي فإن تراخي الورقة الخماسية في شأن مصير الأسد يضعف حوامل الطرح الأخرى ويجعل مرتكزاته هشة وغير قادرة على إنتاج حل مستدام.

يمكن تفسير تلك الأخطاء الواردة في المقاربة الخماسية، من كون تلك المقاربة تحاول التعبير عن ولادة تحالف جديد في مواجهة التحالف القائم في سورية بين روسيا وإيران وتركيا، ويطرح هذا التحالف تصوراته الأولية، وليست المبدئية، لحل الأزمة السورية.

من جهة ثانية، ليس خافياً أن الطرح لم يستطع التمييز بين التمرد والثورة، لذلك كان حريصاً، عبر التفافه على مصير الأسد، على إعطاء الواقع الميداني وزناً أكبر من قيمته الحقيقية، ليس بسبب انتزاع ذلك الواقع من السياق الكارثي الذي نتج عنه دمار أكثر من نصف سورية وقتل مئات الآلاف وتهجير الملايين، وليس لأن ذلك الواقع تحقق أصلاً عبر قوى خارجية، بل لأن الثورة تنهي شرعية الحاكم، أو على الأقل تضعه على السوية ذاتها مع معارضيه، هذا إذا افترضنا أن شرعيته أصيلة.

لا ينفي ما سبق أن الورقة الخماسية تعتبر طرحاً متقدماً، بالمقارنة مع جميع ما تم طرحه خلال المرحلة الماضية، مشكلتها بالإضافة لما سبق، أنها تلتقي مع الطرح الغالب والذي يضع بشار الأسد مبتدأ لسورية، ما يعني عدم احتمال إخراج خبر سورية من الاحتمالات السيئة أبداً.