IMLebanon

لئلا تضيع وثائق الحِقبَة الأسدية

 

 

في الخامس عشر من كانون الأول من العام 1981، دمرت سيارة مفخخة يقودها انتحاري، مبنى السفارة العراقية في بيروت الغربية التي كانت تحت سيطرة الجيش السوري. قُتِل في التفجير واحدٌ وستون شخصاً بينهم زوجة الشاعر نزار قباني، بلقيس الراوي، التي كانت تعمل في المكتب الثقافي للسفارة.

 

 

رثاها نزار بقصيدة تُعتبَر من عيون شعر الرثاء، وفيها إدانة صريحة للنظام السوري الذي كان مسيطراً على بيروت الغربية، ومما قال في القصيدة التي عنونها “بلقيس”:

 

“سأقول في التحقيق:

 

إن اللص أصبح يرتدي ثوب المقاتل

 

وأقول في التحقيق:

 

إن القائدَ الموهوب أصبح كالمقاول

 

إن الذين تورطوا في القتل، كان مرادهم

 

أن يقتلوا كلماتي”.

 

 

ما كتبه نزار قباني عن استبداد نظام الأسد، هو نقطة في بحر ما كتبه الأديب السوري محمد الماغوط، لم تخلُ أشعار محمد الماغوط وكتاباته من النبوءات. فقد كان يعلم أن الثورة قادمة، حتى وإنْ في زمانٍ لن يكون هو فيه. كتب في إحدى قصائده: “كان جواد الثورة في انتظاري، ولكن عندما حاولت النهوض لامتطائه أدركتني الشيخوخة”.

 

 

وتنبأ الماغوط أيضاً بالمسالخ البشرية التي أقامها الوريث بشار الأسد في سوريا، فقد اعتبر يوماً “أن سَلخ ما سُلخ من الوطن الكبير ليس إلا مقدمةً لسلخ البشر”. وهو ما حصل في سجون الأسد التي تحولت إلى مسالخ بشرية كما كشف تقرير “المسلخ البشري” الذي أعدته منظمة العفو الدولية عن سوريا عام 2017.

 

 

مما تقدَّم، سواء حادثة تفجير السفارة العراقية في بيروت ومقتل زوجة الشاعر نزار قباني، أو كتابات محمد الماغوط، يفترض ان يشكِّل حافزاً لتأريخ المرحلة الدموية في سوريا والتي امتدت من العام 1970، تاريخ تسلم الرئيس حافظ الأسد السلطة، إلى العام 2024، تاريخ سقوط حكم آل الأسد.

 

 

في مقابل التقارير التي دبَّجتها المخابرات السورية، بحق السوريين واللبنانيين والفلسطينيين، هناك كتابات موثَّقة وموثوقة: شعراً ونثراً وروايات ومذكرات ومسلسلات وأفلام، يفترَض أن تشكِّل مشروعاً للاندثار، إذا لم تجد مَن يعتني بها ويوثقها، لأن حقبة نصف قرن ويزيد لا يجوز أن تُمحى، إنها حقبة منطقة بكاملها وليست حقبة لبلدٍ واحد.

 

 

وطالما الحديث حديث توثيق، يجدر التذكير بمسلسل “ابتسِم أيها الجنرال” الذي يتحدَّث عن فترة تسلُّم الرئيس بشار الأسد الحكم في سوريا، والصراع العائلي في تلك الفترة، والفساد الذي كان معشعشاً في سوريا.

 

 

 

الأسد سقط، أباً وابناً، لكن الأعوام الأربعة والخمسين التي أمضياها على رأس سوريا وعلى رؤوس اللبنانيين، يجب أن تبقى محفورة في الذاكرة التي ممنوع الّا تُمحى.