الحديثان الأخيران اللذان أدلى بهما الرئيس بشار الأسد الى مجلة “فورين أفيرز” وتلفزيون هيئة الإذاعة البريطانية “بي بي سي” في الذكرى السنوية الرابعة لبداية الأزمة السورية، أحبطا كثيرين من الباحثين عن حلول للأزمة السورية. أوحى الى أرفع المسؤولين في الأمم المتحدة، بمن فيهم أمينها العام بان كي – مون، بأنه لا يزال يحاول “قلب الحقائق رأساً على عقب”.
لم يعترف الرئيس الأسد بأي أخطاء يمكن أن يكون ارتكبها – باعتباره حاكماً مطلقاً – خلال السنوات الأربع الدامية في سوريا. استعاض عن ذلك بتعابير عامة. قال إن “البشر يخطئون” بحكم الطبيعة. أشار الى بداية الأحداث في درعا وانتشار التظاهرات السلمية في دمشق وحمص وحماه وإدلب وحلب باعتبارها تفاصيل على هامش نشاطات الجماعات الإرهابية. كرر أن ما حصل ويحصل ما هو إلا مؤامرة شاركت فيها تركيا والأردن وقطر والسعودية وبعض لبنان، الى الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وغيرها ممن يكيد المكائد.
كيفما كان حال كلام الأسد، ليس أمام الديبلوماسية خيار سوى مواصلة السعي الى حلول للأزمة في سوريا. لذلك انطلق المبعوث الدولي الخاص الى سوريا ستيفان دو ميستورا مجدداً من “بيان جنيف” لـ٣٠ حزيران ٢٠١٢ الذي ورثه سلفه الأخضر الإبرهيمي عن المبعوث الأول الأمين العام للأمم المتحدة السابق كوفي أنان. لم ينجح تكتيك دو ميستورا حتى الآن في مقاربة العناوين الرئيسية في “بيان جنيف”، من “تحت الى فوق”. من طريق “تجميد القتال” في حلب أولاً، ومن ثم لجم العمليات العسكرية في مناطق أخرى بغية “توسيع الحيز السياسي”. لسان حال بان كي – مون أن “تجميد القتال ليس بديلاً من أي حل سياسي”، يكمله ويوفر حيزاً سياسياً أوسع. غير أن هذه الغاية البسيطة نسبياً تبدو صعبة المنال لأن السلطات تعتقد أن في امكانها تحقيق نصر عسكري في هذه المنطقة الآن. صدق الإبرهيمي يوم أقر بأنه يقوم بـ”مهمة مستحيلة”.
كاد الأسد يقول في مقابلتيه إنه كان محقاً منذ البداية وإن العالم كله كان على خطأ. ليس هذا في نظر المسؤولين الدوليين إلا امعاناً في خطأ جوهري وفي تدمير سوريا. كان يمكنه أن يقول إن “الدولة الإسلامية – داعش” و”جبهة النصرة” وجماعات التطرف العنيف ظهرت بسبب الأزمة السورية. لو لم تحصل أزمة سوريا ولم يسقط أكثر من ٢٥٠ ألف قتيل ويتهجر ١١ مليون سوري بين نازحين ولاجئين، ما كان الوضع ليكون بهذا السوء. شكلت هذه الأزمة أرضاً خصبة للعناصر الإرهابية. جذبتها. تجذر الإرهاب وتمدد، ليس فقط في سوريا والعراق، بل أيضاً عبر لبنان والأردن وتركيا واليمن ومصر وليبيا.
توسع “الدولة الإسلامية” خريطة الخلافة. لا بد من هزيمتها في حرب لها الأولوية المطلقة. لا هوادة فيها.
يعتقد الأسد أن في امكانه أن يحقق مكاسب وجودية فيها، وخصوصاً إذا وصلت المفاوضات النووية مع ايران الى خواتيمها المرجوة.