IMLebanon

سقط الأسد …. عاشت سوريا وسقط المحور

 

سقط بشار الأسد، أسقطه أبناء سوريا الأبرار وأسقطوا معه وثنية سياسية امتدت لأكثر من نصف قرن. حطّم أحرار سوريا الأصنام الرئاسية التي توسطت الساحات لعقود في حلب وحمص ودمشق وجرمانا وحماه والقنيطرة، إقتحموا سجون الظلم والإستبداد محررين مئات الآلاف من المعتقلين المنسيين (300 ألف معتقل وفقاً لمنظمة الخوذ البيضاء) في أقبية تعذّر الدخول إليها وافتقدت الهواء النظيف وأشعة الشمس لعقود.

ما حصل في سوريا هو نتاج حتمي لاستبداد مزمن مارسته دكتاتورية عائلية اعتدت على قوانين الطبيعة وعلى مسلمات الإجتماع الإنساني وقيّمه التي لا بد منها لاستمرار الحياة. قد يكون في الإنهيار المتسارع لقوات الرئيس المخلوع وفي إحجامها عن الدفاع عن مواقعها ما يدعو للتساؤل والإستغراب، وربما يكمن الجواب في عدم القدرة وربما في الخوف من المضي أكثر في الظلم أو في الدفاع عن المجرمين من أجل لا شيئ، وكأنّ ما بلغه الظلم في سوريا قد أعيا الظالمين وأعجزهم فكان لا بد من توقفٍ فرضته الطبيعة لاستعادة التوازن.

 

لم يعد من مجال للشك أن عملية إسقاط النظام في سوريا قد حظيت بالمواكبة والرعاية الدولية والإقليمية في أدق تفاصيلها. هذا ما تؤكده مؤشرات عديدة لا سيما منها التنسيق الميداني بالرغم من الإختلافات الإيديولوجية للفصائل المشاركة والتزام أقصى معايير القانون الدولي لجهة عدم التعرض لقوى النظام العسكرية أثناء انسحابها وضمان سلامة الممتلكات العامة والخاصة وحماية المدنيين، والمحافظة على استدامة عمل المؤسسات. هذا ما عبّر عنه البيان رقم (1) الذي أعلنته قوى المعارضة مع سقوط بشار الأسد. وما إصرار حكومة العراق على إقفال الحدود وعدم السماح لمقاتلي الحشد الشعبي بالعبور لمساندة جيش النظام والفصائل الإيرانية، وموقف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بتبني العملية العسكرية ودعوة الفصائل الى دخول دمشق سوى دليل واضح على الإصرار الإقليمي والدولي لإخراج النظام السوري من المعادلة الإقليمية الجديدة. ويمكن في هذا الإطار قراءة الموقف الروسي الذي أبلغ الأسد بالإكتفاء بتدخل محدود.

 

ما حصل في سوريا هو مقدمة لتغييرات جيوسياسية كبيرة ستتضح معالمها مع تبلور التداعيات المرتقبة على خارطة النفوذ للقوى الإقليمية والدولية على المستويات الأمنية والسياسية والإقتصادية، لا سيما لجهة انهيار تحالفات قائمة أو تشكيل تحالفات جديدة. تتصدر هذه التغييرات معايير الإستقرار الإقليمي التي فرضتها عودة الولايات المتحدة العسكرية الى المنطقة وفي مقدّمتها أمن إسرائيل ومستقبل الدولة الفلسطينية من جهة، وأمن النفط والغاز والممرات المائية وإقصاء ميليشيات الإسلام السياسي بشقيه السني السلفي والشيعي المرتبط بولاية الفقيه والذي يواجه انهياراً غير مسبوق من جهة أخرى.

إن ما جرى في سوريا هو مرحلة في سياق إقليمي ودولي بدأ من لبنان مع إعلان وقف إطلاق النار بين حزب لله وإسرائيل وموافقة الحكومة اللبنانية على الإطار التنفيذي للقرارات الدولية 1701 و1559 و1680 الذي توصلت إليه الولايات المتحدة وفرنسا. هذا الإتّفاق الذي يقضي يتفكيك البنيّة العسكرية لحزب لله في كل لبنان وليس فقط في جنوب الليطاني والسيطرة على الحدود مع سوريا ومراقبة المرافئ البحرية والجوية. وفي هذا السياق لا يمكن اقتصار إسقاط النظام في سوريا على إقصاءٍ لرئيس مستبد أو محاكاة لطموحات شعبٍ يتوق للحرية والديمقراطية، بل هو إسقاط لمرحلة كاملة بكل رموزها وقوانينها وتفاهماتها وتحالفاتها وبكل إنحداراتها الأخلاقية والقيمية. هذه المرحلة التي قادتها إيران وسوريا تحت عنوان محور المقاومة والتي كان للمكوّنات المذهبية ما دون مستوى الدولة (Non State Actors) ومنها حزب لله في لبنان وفصائل مختلفة في سوريا والعراق واليمن دور كبير في تهديد الإستقرار وإضعاف الحكومات وإنهاك الإقتصادات الوطنية.

أجل لقد سقط محور طهران بيروت. سقط في بيروت ولن يعيده تلكؤ حكومة من هنا أو التفاف على تفسير الإتفاق الأميركي الفرنسي أو إعاقة إنتخاب رئيس جديد للجمهورية من هناك، وسقط في دمشق بإرادة سورية عارمة لا لِبس فيها أعرب عنها الشعب السوري برمّته ، وأكد سقوطه في بغداد، بعد إقفال الحدود العراقية، تحريم «المرجع الشيعي الأعلى في العراق آية الله علي الحسيني ‏السيستاني» على الفصائل المسلحة التدخل في سوريا والدعوة التي أطلقها الزعيم الشيعي العراقي مقتدى الصدر الحكومة للفصائل العراقية المسلّحة إلى «عدم التدخل» في سوريا.

سقط محور طهران بيروت بالرغم من دعوة حزب لله مقاتليه لمساندة الجيش السوري وبالرغم من تحذيرات وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي من اندلاع حرب أهلية أو طائفية في سوريا وتحوّلها الى مركز للإرهاب. ستتحول سوريا رغماً عن إيران من كيان متسلط قابض على لبنان الى عمق استراتيجي حقيقي له بأبعاده الأمنية والإقتصادية والمجتمعية، فليس صحيحاً أن الحرب تجري بأمر إلهي وليس صحيحاً أن الأرض متعطشة للدم.

* مدير المنتدى الإقليمي للدراسات والإستشارات