من بين دماء الأطفال وأجسادهم الطريّة وعمليات الإبادة بحق الشعب السوري، أطل «نيرون سوريا» بشّار الأسد بالامس ليُحاضر بالديموقراطية وإستقرار البلدان وبأحقية الشعوب في تقرير مصيرها، وهو المُلطخة يداه بأكثر من مليوني قتيل وجريح من أبناء بلده وأكثر من سبعة عشر مليون لاجئ ومُشرّد ومثلهم أو أكثر من المحاصرين في بلداتهم يُمضون أيّامهم تحت رحمة براميله المُتفجرّة.
يقول الأسد في مقابلة مع وكالة «برنسا لاتينا» الكوبية أنه «ينبغي أن ننظر إلى الانقلاب في تركيا بوصفه انعكاسا لعدم الاستقرار والاضطرابات داخل تركيا. لكن الأكثر أهمية من الانقلاب نفسه هو أن علينا أن ننظر إلى الإجراءات والخطوات التي اتخذها اردوغان وزمرته خلال الأيام القليلة الماضية.. عندما بدؤوا بمهاجمة القضاة وعزلوا أكثر من 2700 قاض من مناصبهم وأكثر من الف وخمسمئة أستاذ جامعي وأكثر من خمسة عشر الف موظف في قطاع التعليم. ما علاقة الجامعات والقضاة والمجتمع المدني بالانقلاب؟».
لو كان خرج هذا الكلام أو «الإستفسار» عن رئيس دولة يتمتّع أبناؤها بأدنى مقومات الحياة والإعتراف بهم كبشر يحق لهم العيش في بلادهم آمنين وبعيدين عن الحصار والتجويع، لكان بدا الأمر عادياً جدّاً، لكن أن يخرج عن رئيس يقتل شعبه ويُنكّل به وبأطفاله ويزرع سجونه في كل بقعة ويُدمر بلده فوق رؤوس شعبه، ثم يُسمّي بعدها كل هذا «انتصارا«، لهو قمّة في الوقاحة واستخفاف بعقول البشر من مجرم رهن أرضه للغريب مُقابل الإبقاء على سلطته حتّى لو كلّفه هذا البقاء قتل وتعذيب الف طفل مثل حمزة الخطيب واقتلاع حنجرة مليون سوري كما فعل بمغنّي الثورة ابراهيم القاشوش صاحب أغنية «يلا إرحل يا بشّار».
فجأة يتحوّل الأسد خلال حديثه إلى «ديموقراطي»، إذ يعتبر أنه «بصرف النظر عمن سيحكم تركيا ومن سيكون الرئيس ومن سيكون قائد تركيا فهذه قضية داخلية، على الشعب التركي أن يتخذ القرار بذلك الشأن«. وهنا لا بد من سؤاله عن الملايين التي خرجت في بداية الثورة لتدعوه إلى الرحيل بشكل سلمي وحضاري؟، فيومها كان تصفيق الشعب السوري خلال التظاهرات السلميّة في الأرياف والمُدن، هو البديل عن أصوات الرصاص والقذائف التي استخدمها الأسد لقمع شعبه وإسكاته، حتّى بدا وكأنه «جزّار« جديد، يهوى القتل والتعذيب ويستمتع برؤية الأطفال والنساء والشيوخ وهم يموتون قصفاً وتنكيلاً وتجويعاً.
يقول المثل المصري «اللّي اختشوا ماتوا». لكن وحده الأسد لا يستحي من أفعاله وإرتكاباته، وفي حال أراد القفز في أي سؤال مُحرج، يذهب تلقائيّاً إلى الكذب برجليه. ففي احد لقاءاته عند اندلاع الثورة وقتل المتظاهرين، قال الأسد في مقابلة مع الصحافية باربرا وولترز «لست مسؤولا عن إراقة الدماء التي جرت. هي تجاوزات نفذها افراد وليس النظام، فنحن لا نقتل شعبنا. ليس من حكومة في العالم تقتل شعبها، الا اذا كانت تحت قيادة شخص مجنون. كما أن قوات الامن تابعة للحكومة وليس لي شخصيا«، مضيفا «انا لا املكهم. انا الرئيس، ولا املك البلاد. ولذا فهي ليست قواتي».
من فمه دان الأسد نفسه، وهو اليوم يعترف بأنه المسؤول عن سوريا وبأنه الرئيس الشرعي والقائد الأعلى للقوّات المسلحة. كما وأن «التكفيريين» الذين يدعي الأسد وحلفاؤه بأنهم يُقاتلونهم في سوريا وفي كل مكان، هو المسؤول عن «دعشنتهم»، إذ إن مُعظم هؤلاء كانوا نزلاء سجونه وتدربوا وتسلّحوا على يديه، وهو الذي أطلق سراحهم ليعيثوا في البلاد فساداً وإرهاباً. وأي رئيس هذا يُسهّل لقوى حليفة بسط سيطرتهاعلى مساحات واسعة من المناطق السورية ويُفوّضها للتصرّف على هواها في بلدات ذات اهمية كالسيدة زينب والقلمون وريف حلب الجنوبي وداخل كل منطقة او بلدة يوجد فيها مواطنون سوريون من الطائفة الشيعية؟ وفي الكثير من الأحيان، يُمنع جيشه من الإقتراب من مواقع الحلفاء أو الدخول حتّى إلى المناطق التي تخضع لسيطرتهم.
منذ أعوام أطل «المُبشّر» بشّار الأسد من جامعة دمشق ليؤكد أن «معركة حلب هي التي ستقرّر مصير الشعب السوري«. اليوم يتأكد للعالم هذا الكلام بعدما سويت المدينة وريفاها الجنوبي والشمالي بالأرض. فكما يكذب «طاغية الشام في الحقائق أحياناً، فهو يصدق في التنكيل والخراب والتدمير، احياناً اخرى. في حلب اليوم، يسقط مواطنون سوريون ويُسمع انين الأطفال وصرخات الكبار من تحت الدمار والركام، واللافت أن من يخرج منهم حيّاً لا يتوانى عن توجيه رسالة إلى الأسد بالقول «لقاؤنا عند الله».