فاجأت زيارة بشّار الاسد موسكو المتابعين، فهي الاولى منذ اندلاع الثورة على نظامه قبل نحو اربع سنوات ونصف السنة، وتأتي عقب ثلاثة اسابيع على الغارات الروسية المكثفة كغطاء جوي لهجوم بري واسع لم يحقق حتى الآن خرقا له معنى في موازين القوى. فلم تظهر حتى الآن أي نتائج عملية لتقدمات ميدانية رُوّج لها إعلاميًّا الى أقصى حدود، رغم مشاركة مقاتلين من «الحرس الثوري الايراني« ومن «حزب الله» الى جانب بقايا الجيش النظامي المنهكة.
فخلفية تصريحات فلاديمير بوتين والاسد تعني توافقهما على الهدف، ليس العمل العسكري بل العمل السياسي الذي يجب ان يتبعه، وذلك خلافا لما كان الاسد يتشدد بشأنه في كل محطات التفاوض ، سواء في جنيف او موسكو، من رفض البحث في حل سياسي «قبل القضاء على الارهاب».
كما ستوفر الزيارة لبوتين امكانية تقديم اجوبة واضحة عن مآل انخراطه العسكري لكل من له علاقة بالأزمة السورية، وفق سياسي لبناني سيادي.
وأتت الزيارة إثر تغيير واضح في المواقف الاوروبية والعربية وحتى التركية، التي درجت على التشدد في ضرورة تنحي الاسد عن اي حل سياسي، وباتت توافق، اقله، على مشاركته في مفاوضات الحل السياسي.
ولا تعني مشاركة الاسد في هذه المفاوضات اطلاقا بقاءه رئيسا لسوريا التي عرفناها منذ استقلالها وحتى اندلاع الثورة في آذار 2011 وفق المصدر نفسه الذي يقلّّل من اهمية الموافقة الاخيرة على مواكبة الاسد للعملية الانتقالية. فحينها سيكون، وفق بيان «جنيف واحد«، رئيسا شكليا مع «حكومة انتقالية بصلاحيات كاملة».
صحيح ان الروس يريدون الجلوس الى طاولة التفاوض وبيدهم ورقة ثمينة، ورقة النظام وبشار، انما بهدف الحفاظ على مصالحهم ليقتطعوا لأنفسهم حصة وازنة مضمونة في سوريا المقبلة. ويرى المصدر ان الروس تدخلوا ليمنعوا انهيار الأسد في مناطق سيطرته، لا لمساعدته على استعادة مناطق خسرها، خصوصا ان دعم المعارضة تطور الى تزويدها دفعة واحدة بأطنان من الاسلحة يمكن ان تترافق مع معلومات استخباراتية.
فدعم موسكو للنظام الاسدي كان واضحا منذ انطلاق الثورة. وقد تدرّج من حماية في مجلس الامن باعتماد حق النقض ثلاث مرات، الى مساندة ميدانية بالأسلحة وبآلاف الخبراء وبمعلومات الاقمار الصناعية، وصولا الى الانخراط العسكري الجوي بقصف يستهدف، تحت شعار قتال «داعش»، كل الفصائل المعارضة.
وتبقى موسكو المركز. فما ان غادرها الاسد حتى وصلها رئيس مجلس الشورى الايراني علي لاريجاني وكان رئيس الحرس الثوري قاسم سليماني قد زارها مرتين على الاأقل قبل وبعد انطلاق الغارات على سوريا في 30 ايلول الماضي.
وتعني التسوية الدولية على المرحلة الانتقالية مشاركة النظام والمعارضة وإن بأثمان مختلفة. ويمكن للمرء تحليل التوازنات بين الجيش السوري الذي فشل رغم كل الدعم الايراني ومن «حزب الله«، وفي مرحلة سابقة من الميليشيات الشيعية العراقية، وبين ما يتسرب عن تقديرات لحجم مقاتلي المعارضة من غير المنتمين الى «داعش« و«النصرة« والذين قدرهم وزير الخارجية البريطاني فيليب هاموند بثمانين ألفاً.
أما في الشأن اللبناني فدخول سوريا المرحلة الانتقالية يزيد من الحاجة الوطنية الى «قوى 14 آذار» في ظل اداء «حزب الله التعطيلي« على كل الصعد، خصوصاً انها بقيت ملتئمة على خياراتها السياسية رغم تباين في بعض المحطات بشأن ادارة الملفات.
والسؤال «هل يمكن ان تشكل التسوية السورية مفتاح حل للفراغ الرئاسي خصوصا بعدما نقل عن رئيس حزب «القوات اللبنانية« سمير جعجع بشأن معلومات غربية تفيد ان الايرانيين طرحوا حلحلة للرئاسة اللبنانية ثمنها بقاء الأسد في السلطة؟».
وللتسوية، من دون شك، انعكاسات مباشرة على «حزب الله» خصوصاً ان ابواب المراحل الانتقالية تكون مشرعة على كل الاحتمالات: تفجّر العنف او انطلاق تسوية.