IMLebanon

مجازر الأسد وخداعه

أنكر رئيس النظام السوري بشار الأسد في حديثه إلى قناة بي.بي.سي الإنكليزية، أن يكون السلاح الجوي للنظام السوري يمطر المواطنين في حلب وإدلب ودرعا والغوطة الشرقية بريف دمشق وفي غيرها من المناطق، بالصواريخ والبراميل المتفجّرة. كما نفى أن تكون السلطات الأمنية تمنع وصول الإمدادات الإغاثية من المنظّمات الدولية إلى مستحقّيها في المناطق المنكوبة. وبدا في هذا الحديث وكأنه بريء من الجرائم ضد الإنسانية التي يرتكبها نظامه الدموي ضد الشعب السوري، الذي اضطر أكثر من أربعة ملايين منه إلى اللجوء إلى دول الجوار، ولاذ مثلهم بالفرار من القتل والدمار والخراب، إلى مناطق من سورية ظنوا أنها آمنة.

والظهور على القناة البريطانية الشهيرة بي.بي.سي بتلك الصفاقة والتحدّي الأخرق، يدلّ على أن النظام الطائفي الاستبدادي في دمشق، يعيش أسوأ مراحله الأخيرة ويسعى جاهداً إلى مدّ اليد لمن يستطيع إنقاذه. كما أن الحديث المطوّل الذي أدلى به بشار الأسد إلى مجلة «شؤون خارجية» الأميركية (30/1/2015)، يعكس الإصرار على التضليل والخداع وإعطاء الانطباع بأن الأحوال في بلده مستقرة، وأنه يحارب الإرهاب مثلما يحاربه العالم كلّه. وهذا التزامن بين الحديثين الصحافيين، في مرحلة متقاربة، يؤكد أن النظام السوري يبحث له عن مخرج بأية وسيلة كانت، من المأزق الذي حوصر فيه. فهو يعرض نفسه على العالم بصفته المحارب للإرهاب الذي غزا بلده وعاث فيه فساداً. وبذلك، يغيّر من طبيعة الصراع المحتدم في سورية؛ من انتفاضة شعبية وطنية ضد الظلم والقهر والطغيان والاستبداد، إلى معركة متوهّمة يخوضها النظام ضد الإرهاب الذي يهدّد المنطقة كلّها.

بذلك، يبدو بشار الأسد في صورة الضحية، ويقدّم نفسه للمجتمع الدولي على نحو مغاير تماماً للواقع، لعلّه يجد له مقعداً في صفوف رؤساء الدول الذين يحاربون الإرهاب، وتنخرط بلدانهم في التحالف الدولي للقضاء على تنظيم ما يُسمى «الدولة الإسلامية» الإرهابي. لكنه عرض مفلس، وبضاعة فاسدة، ومحاولة محبطة منذ البداية؛ لأن العالم يعلم جيداً كم هي الجرائم الفظيعة التي ارتكبها بشار ونظامه الاستبدادي في دمشق ضد شعبه.

هذا الحرص الشديد على الخروج من العزلة، والظهور أمام العالم في صورة المحارب للإرهاب، هو محاولة لركوب موجة محاربة الإرهاب التي تسود العالم اليوم، من أجل هدف واحد لا ثانيَ له، وهو بقاء النظام واستمراره في الحكم بأي ثمن ولو كان خراب سورية ودمار معالم الحضارة فيها وإبادة شعبها، وذلك خدمةً للدولة الراعية له التي أنقذته حتى الآن، هي وحلفاؤها في لبنان والعراق وغيرهما، من السقوط والانهيار. فإيران هي الدولة المستفيدة، مع إسرائيل وروسيا القيصرية الجديدة، من بقاء نظام بشار الأسد جاثماً على صدر الشعب السوري المبدع للحضارة على توالي الأزمنة. فهي التي تكسب من هذه الأزمة الطاحنة التي تعمّ غالبية دول المنطقة، وتتفاقم بوتيرة سريعة، وعلى نحو يهدّد فعلاً الأمن والسلم الدوليين.

فكيف يحارب الإرهاب مَن يمارس إرهاب الدولة ضد شعبه؟ وكيف يتصدَّى للإرهابيين مَن كان سبباً في ظهور تنظيم ما يُسمى «الدولة الإسلامية»، مثله مثل الدول الأخرى التي لها اليد الطولى في ذلك؟.

إن إيران مسؤولة عن وصول الوضع في العراق وسورية إلى ما وصل إليه اليوم من تدهور شديد؛ لأنها تهدف إلى زعزعة الاستقرار في دول المنطقة، لبسط نفوذها، ونشر مذهبها، وفرض إرادتها، من خلال التحالف الاستراتيجي مع القوى العظمى التي من مصلحتها أن تستمر الأوضاع على ما هي عليه، إلى أمد طويل، بما يخدم مصالح إسرائيل في المقام الأول. فالنظام الإيراني يريدها فوضى عارمة هدامة تمهّد له السبيل لترسيخ أقدامه في الدول الأربع: العراق، سورية، لبنان، واليمن، ليكتمل بذلك الهلال الإيراني، وليبدأ العصر الفارسي الجديد في عهد ولاية الفقيه. وهذه السياسة التي تعتمدها إيران، تدلّ على إصرارها على أن تكون الدولة المحورية الأقوى في الإقليم، لا ينازعها منازع أيّاً كان، ولا ينافسها في القوة والقدرة والاستطاعة منافس. فذلك هو الهدف الاستراتيجي الذي يعمل النظام في إيران لتحقيقه في المدى القريب.

لقد بدأت ملامح تلك السياسة الإيرانية تظهر للعيان، بعد أن أصبحت سورية والعراق محميتين إيرانيتين، إلى جانب لبنان الذي يتحكم حزب الله الإيراني في شؤونه، وبات اليمن قاب قوسين أو أدنى من أن يصبح المحمية الإيرانية الرابعة في المنطقة.

إن الحديثين الصحافيين اللذين أدلى بهما بشار الأسد، خلال الفترة الأخيرة، يدلان على أن نظامه أفلس، وأنه بات يشعر بـ «دنوّ الأجل». وقد يخلو الجو لإيران لتقيم نظاماً جديداً لا يكون ملطخاً بالدماء، يخدم مصالحها بصورة مباشرة، وينفّذ سياستها في المنطقة، لأن إيران أصبحت محرجة من المجازر الوحشية التي يرتكبها النظام السوري، وهي تتطلّع إلى عميل جديد يحقق لها أهدافها من غير أن يثير النقمة عليها.

ويبدو أن بشار الأسد أخذ يشعر بهذا التحوّل في موقف إيران منه، ولذلك خرج على العالم، بتلك الصورة الخادعة، ليعلن عن براءته، ولسانه يقول: «لا تتركوني وحيداً، أنا محارب عتيد للإرهاب، خذوني معكم».