لم تتأخر بعض نتائج جلسة الساعات الثلاث بين فلاديمير بوتين وجون كيري الثلاثاء الماضي في موسكو، في الظهور على الملأ، وعلى لسان الزعيم الروسي نفسه، خصوصاً ما يتعلق منها بالمساعي المبذولة من أجل الوصول إلى «حل سياسي» للنكبة السورية.
وفي ذلك يمكن استخلاص ثلاثة عناوين كبرى. الأول، أن موسكو «تتفاهم» مع واشنطن ولا تقود منظومة مضادة لها، لا تحت شعار كسر الأحادية التي ظهرت غداة انتهاء الحرب الباردة وانهيار المعسكر الاشتراكي مثل عمود الملح. ولا تحت نكتة دول «البريكس».. ولا من أجل عيون «الدكتور» الأسد.
الثاني، أن بوتين (شخصياً) يعلن الموافقة على مشروع أميركي في مجلس الأمن إزاء «الحل» السوري وأن من بين بنوده «ما قد لا يعجب» الرئيس السوري السابق، الذي كان عاد في الأسبوع الماضي تحديداً إلى مقولة أن لا حل قبل «القضاء على الإرهاب».
ما يقوله بوتين اليوم (قد يغيّر رأيه غداً؟) هو أنه متوافق مع أعداء الأسد، النظريين والفعليين، على عنوان «الحل السياسي»، وعلى اعتبار ذلك شرطاً واجباً للفوز في الحرب على الإرهاب، وليس العكس! وأن ذلك الحل «قد» لا يعجب الديك الصائح في دمشق! خصوصاً وتحديداً أن واشنطن هي صاحبة قوة الدفع باتجاه استصدار قرار من مجلس الأمن.. وموسكو موافقة (سلفاً) على ذلك القرار!
العنوان الثالث يتمم السياق التسووي ولا ينفي شيئاً منه. إذ إن بوتين (شخصياً أيضاً!) يقول ان قواته لم تأتِ إلى سوريا كي تبقى فيها.. وأن قصة «القواعد العسكرية» في أرض الغير ليست على ذلك الثقل الاستراتيجي طالما أن هناك شيئاً اسمه الصواريخ العابرة فوق الحدود والمحيطات!
وذلك في جملته قد يكون «أخطر» ما قاله بوتين بالنسبة إلى ذلك الديك، خصوصاً وخصوصاً جداً، أن زعيم الكرملين لا يزال يتحدث جدياً عن مشروع لدمج قوات من المعارضة مع ما تبقى من قوات نظامية في سياق «محاربة الإرهاب» ثم يكرر، وأيضاً بجدية، أن طيرانه الحربي اشتغل (Part time) في إطار «عاصفة السوخوي» كسلاح جو لأحد الفصائل المقاتلة في الشمال السوري!
ولتوضيح معطيات هذا الكابوس بالنسبة إلى الأسد يفيد التذكير بأنه كان ولا يزال يعتبر «أن كل المعارضة إرهابية».. وصدّق ولا يزال(؟) أن ما قاله بوتين سابقاً من أمر مشابه (وما فعله ويفعله في الواقع) هو سياسة دائمة وثابتة وسارحة والرب راعيها إلى تحقيق أهدافها.. فإذ به يسمع بالأمس تلك النغمات المقلقة، التي تبدأ بـ»الحل السياسي» ولا تنتهي عند (ادعاء!) التنسيق مع بعض المعارضة عسكرياً!
.. وسبق له ولكل أبواقه، في الوطن والمهجر، أن أشاعوا قصة تفيد بأن موسكو جاءت إلى سوريا «ولن تخرج منها»! بل ان الروس، في زمن ما، لن يكتفوا بتعبئة الفراغ الميداني الذي أحدثه الأميركيون والغربيون وغيرهم من خلال الانكفاء عن التورط في «مشروع فيتنام» آخر، بل إنهم سيعبّئون الفراغ الديموغرافي المتأتي عن «هجرة» ملايين السوريين إلى بلاد الله الواسعة.. ودائماً وفق المقولة الشهيرة للديك الدمشقي عن «أن الوطن لمن يحرره» وليس لمن يحمل هويته الوطنية أو القومية!
إذا بقيت مواقف بوتين على ما هي عليه، فلم يبقَ أمام الأسد إلا الاستعانة مجدداً بالفرع الخارجي لـ»داعش»!